Times of Egypt

مئوية مهاتير محمد!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

الخميس الماضي، احتفل الزعيم الماليزي الكبير مهاتير محمد ببلوغه المائة. بدا حاضر الذهن.. نشيطاً، وهو ما يمثل إنجازاً آخر.. في حياته الحافلة بالإنجازات. ينتمي مهاتير إلى عالم الكبار.. الذين عاصرهم وتعامل معهم: مارجريت تاتشر ورونالد ريجان ولي كوان يو (الزعيم التاريخي لسنغافورة) وقائد نهضة الصين الحديثة دينج شياو بينج. جميعهم غادروا دنيانا، وحده مهاتير.. باقٍ على قيد الحياة. لا يزال يمارس تأثيره على عالم السياسة الماليزية، البعض يعتبر ذلك إيجابياً، وآخرون يتهمونه بالإضرار بمسيرة الحكم الحالية.

ارتبط اسمه بصعود ماليزيا.. من دولة شديدة الفقر والتخلف، تُصدّر المطاط والقصدير والخشب وزيت النخيل.. إلى عملاق اقتصادي وصناعي، أهم صادراته الإلكترونيات. 

تولى رئاسة الوزراء من 1981 وحتى 2003، ثم عاد لمنصبه مجدداً من 2018 حتى 2020. في عام 1980، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد 1900 دولار، ليصل العام الماضي إلى 12500 دولار. 

الفضل الكبير في ذلك.. يعود إلى سياسات مهاتير محمد؛ شجَّع الاستثمارات الأجنبية والقطاع الخاص، لكنه رفض الخضوع للضغوط الأجنبية، حتى صار نموذجاً في الاستقلالية السياسية والاقتصادية، ورفض التبعية للغرب. 

أشهر إنجازاته، معالجته المتفردة.. للأزمة المالية التي ضربت العديد من الدول الآسيوية – وبينها ماليزيا – عامي 1997 و1998؛ انخفضت العملة الماليزية «الرنجت» وتدهور الاقتصاد، ففرض صندوق النقد شروطاً صعبة للغاية.. للمساعدة في الإنقاذ. رفض مهاتير الشروط، وفرض ضوابط على رأس المال، وربط «الرنجت» بالدولار؛ فتعافت البلاد بسرعة، وأعلن النصر في معركته مع المؤسسات الاقتصادية الدولية، وأصبح نموذجاً يحاول الآخرون الاحتذاء به.

عندما تولى الحكم بداية الثمانينيات، كان رجال الأعمال من الأقلية الصينية.. يسيطرون على الاقتصاد. عمل على تصحيح هذا الاختلال، وشجع رجال الأعمال من الأغلبية الماليزية.. على الاستثمار والتصنيع. دافع كثيراً، وبشدة.. عن القيم الآسيوية والإسلامية، في مواجهة النيوليبرالية والقيم الغربية؛ مما جلب عليه اتهامات بالتشدد ومعاداة السامية. 

في السياسة.. كان شخصية مسيطرة؛ فاز بخمسة انتخابات عامة متتالية، وفرض بصمته على الحياة السياسية، لكنه رفض التسامح مع معارضيه؛ بمن فيهم نائبه وتلميذه الأثير.. أنور إبراهيم، الذي اعتقله عام 1998، لأنه كان ينتقد أسلوب حكمه الفردي، وتفشي الفساد والمحسوبية. 

استقال مهاتير من منصبه.. بشكل مفاجئ عام 2003، لكنه ظل يتدخل في السياسة؛ منتقداً من تولوا بعده، رغم أنه هو من ساعدهم في الوصول للحكم. وعندما عاد للسلطة 2018، كان الزمن تغير، فلم يستمر طويلاً، إذ خرج بعد عامين، ثم خسر مقعده الانتخابي 2022.

تصالح مع أنور إبراهيم، وساهم في العفو عنه.. بعد أن كان قد سجنه. إبراهيم الآن رئيسٌ للوزراء، يحاول أن ينفذ سياسات مهاتير القديمة.. لكن بدون محسوبية أو فساد. 

ومع ذلك، سيظل مهاتير الزعيم الأهم.. في ماليزيا الحديثة؛ بنى نهضتها الاقتصادية، ووضعها في مصاف النمور الآسيوية. 

أحبه الماليزيون، وأبناء العالم الثالث.. لكن الغرب لم يحبه مطلقاً؛ اتهمه بالاستبداد، والتضييق على الأقليات. وبأن إرثه الأكبر.. هو الوقوف في وجه إقامة مجتمع متعدد الثقافات في ماليزيا. 

هكذا شأن الكبار. عظماء في الإنجازات، والخلافات حولهم لن تنتهي.

نقلا عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة