عبدالله عبدالسلام
إذا كان محمد بن عبدالجبار النفري – أحد أعلام التصوف الإسلامي في العصر العباسي – قد قال: «كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة»، فإن عالم الأحياء والمؤرخ العلمي والمذيع البريطاني الشهير.. السير ديفيد أتنبره (99 عاماً)، تنطبق عليه مقولة: «كلما اتسعت الرؤية، فاضت الحكمة». وصفه الأمير ويليام – ولي العهد البريطاني – بأنه مصدر إلهام كبير.
ظهر على اليوتيوب قبل ساعات.. فيديو مدته 24 دقيقة، بصوت أقرب إلى صوت أتنبره. تبيَّن أنه مُخلَّق بالذكاء الاصطناعي، لكن الرؤية التي تضمَّنها الفيديو استثنائية.. في خضم التقارير التحليلات والتعليقات، التي هي أقرب للمساجلات والمشاحنات، وليس التأملات العميقة.
وصف الفيديو الهجمات الإيرانية.. بالصواريخ والطائرات المسيَّرة – في الليلة التي تلت هجوم إسرائيل الشامل على المنشآت النووية، واغتيال القادة العسكريين والعلماء النوويين – بأنها «لم تكن ليلة مثل أية ليلة أخرى. ليس لأن السماء احترقت بالصواريخ، ولكن لأن النظام الإقليمي.. الذي استقر طويلاً، تعرَّض لتحوُّل شديد الأهمية. في هذه الليلة، لم تكن الضربة الإيرانية قوية ومدروسة فقط، بل حملت رسالة أيضاً. ضربت إيران رمزاً كان المساس به يصعب تصوُّره، وهو التفوق الكاسح لإسرائيل، والفخر – الذي جرى بناؤه عبر سنوات طويلة – ما تم استهدافه ليس منشأة أو نظاماً دفاعياً فقط، بل انطباعاً (أو وهماً) بأن هناك أمة تقف صامدة.. دون أن يجرؤ أحد على تحديها».
المفاجأة، أن زعماء العالم صمتوا.
باستثناء كلمات قليلة، لم تصدر إدانات من البرلمانات ولا قرارات دولية. رد إيران بهذا الشكل.. تجاوز الخطوط الحمراء. لم تكن هجمات صاروخية فحسب، بل خطوة استراتيجية بارعة هزت ثقة إسرائيل، وإيمان زعمائها.. بأنها قوة لا أحد يستطيع المساس بها. لا يمكن للعالم تجاهل نقطة التحول تلك، التي أوضحت إن الوضع الراهن.. من المستحيل استمراره.
كانت الضربات الإيرانية هجوماً على الكرامة والفخر، ووهم الردع الكامل. أربكت الاعتقاد السائد بأن إسرائيل وحدها.. يمكن أن تضرب بعيداً وعميقاً، ثم تعود دون أن تُمس. والأهم، أن طهران أكدت أنها تستطيع الدفاع عن نفسها، وتحميل المعتدي عواقب فعلته.
الإعلام الغربي.. كان شديد الانحياز. المانشيتات همست، في وقت.. كان عليها أن تصرخ كالرعد. اللغة خافتة، والتغطية في حدها الأدنى. الرقابة شملت كل ما يجب عرضه. كان المطلوب نسيان تلك الليلة.. حتى لا تهتز صورة إسرائيل «التي لا تُقهر».
بدلاً من الإقرار بأنها تلقَّت ضربة قوية، تم التركيز على كيف سترد، وتعزز قوتها. طريقة التغطية الإعلامية.. جعلت المواطنين الغربيين يعتقدون أن إسرائيل ما زالت مسيطرة، وأن الضربات التي تعرَّضت لها.. عادية.
هذه الليلة سيتذكرها التاريخ؛ ليس بسبب الصواريخ التي رسمت علامات وآثاراً في السماء، بل نتيجة الصمت الذي تلاها.
ما جرى ليس مواجهة بل تغيُّر في الإدراك والتصورات.
دروس تلك الليلة.. أنه ليس هناك قوة مطلقة، أو اعتقاد دائم بالتفوق، يستحيل تحديه.
لم يكن الأمر مجرد «هجمة» صواريخ، بل قصة تحوُّل عميق في النظام الدولي. ولا تزال الليالي – التي أسقطت وهم التفوق المطلق، وهدمت صنم العنجهية – تتوالى.
نقلاً عن «المصري اليوم«