عبدالله عبدالسلام..
متى كانت آخر مرة جلست فيها أنت وأفراد أسرتك.. تتناولون الطعام معاً؟ أعتقد أن كثيرين لن تسعفهم الذاكرة لتحديد التاريخ بالضبط. أضحت تلك العادة شبه غائبة، بعد أن كان تحدث 3 مرات يوميا قبل الألفية الجديدة. كل فرد في الأسرة يتناول حالياً طعامه منفرداً. حتى أنواع الأكل لم تعد واحدة. الأذواق والتفضيلات.. تباينت تماماً بين الآباء والأبناء. إحدى أهم مميزات رمضان، أنه يجمعنا معاً.. على الأقل خلال الإفطار. صحيح أن الكلام يكون قليلاً، لأن الأعين مُصوَّبة نحو التليفزيون.. بمسلسلاته وبرامجه، إلا أن اللقاء الجماعي مطلوب في حد ذاته.
على مدى آلاف السنين، شعر البشر بالحاجة إلى الجلوس معاً، والاستمتاع بتناول الطعام. بعض العلماء يعتقدون أن عادة الأكل الجماعي.. تعود لنشأة الجنس البشري.
نيكولاس نيومان – عالم الاجتماع في جامعة «أوبسالا» السويدية – يرى أن الظاهرة تعود إلى ما لا يقل عن 1.8 مليون سنة.. عندما كان الإنسان الأول يخرج للصيد، أو جمع الطعام، أو إشعال النار. معنى ذلك – كما يقول – أنه كان هناك أشخاص آخرون، يقومون بأعمال أخرى.. تمهيداً للجلوس وتناول الطعام معاً. حتى الشمبانزي والبونوبو – وهما أقرب أنواع القرود إلى البشر – تتناول الطعام في مجموعات مشتركة. التقاليد القديمة عند الفلاحين منذ القدم، كانت تقضي بتناول الأكل الجماعي (الولائم)..عقب انتهاء حصاد المحاصيل على سبيل المثال.
الولائم لها تاريخ.. يعادل تاريخ البشر، حتى لو اختلفت في الشكل والنوعية. كان يمارسها الفقراء والأغنياء، وشتى فئات المجتمع. فلماذا بدأ البشر يتخلون عنها.. إلا نادراً، ويمارسون حياتهم بفردية غير مسبوقة؟ التكنولوجيا الحديثة زادت من الطبيعة الفردية والانعزالية للناس، ليس في الأكل فقط، بل في التواصل والاطمئنان على الغير. ظهرت آراء كثيرة.. تُعلي من قيمة الأكل وحيداً، حيث تختار ما تُحب.. لا ما يفرضه عليك الآخرون، كما أنك لن تضطر لرؤية تصرفات وسلوكيات لا تفضلها على المائدة. لكن ذلك جانب صغير للغاية من المسألة.
التناول الجماعي للأكل، وتبادل الأحاديث والذكريات.. يدعم العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم. ليس سهلاً طيلة العام.. أن يجتمع أفراد الأسرة أو الأقارب معاً. في رمضان يمكن ذلك، بل هناك رغبة فيه وتشوق له. الإسلام يدعو إلى الألفة والمحبة، وتوثيق الصلات. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام». ويقول أيضاً: «كُلوا جميعاً ولا تَفَرقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين».
الأكل الجماعي.. ليس فقط جلوساً على مائدة واحدة، بل معرفة أكبر بباقي أفراد الأسرة أو الأصدقاء. البساطة والأريحية خلال تناول الطعام.. تزيد من التقارب، بل تنقل عادات وقيماً إلى الأجيال الجديدة؛ من نبذ الأنانية، والتواصل مع الأقارب، وزيارتهم.. إلى مساعدة الفقراء. موائد الرحمن.. لا يجب النظر إليها على أنها تعبير – فقط – عن الكرم والسخاء، وتوفير الطعام للفقراء، والشعور بمعاناتهم.. بل أيضاً نشر روح التضامن والمحبة، وإعلاء روح الجماعية.. التي نفتقدها كثيراً.
رمضان كريم، وكل عام وأنتم جميعاً بخير وسعادة.
نقلاً عن «المصري اليوم»
«لمّة» رمضان!

شارك هذه المقالة