عمر إسماعيل
اليوم.. الثامن من مايو، تحتفل دول الغرب – وعلى رأسها بريطانيا – بذكرى مرور 80 عامًا على ما
يُعرف بـ”يوم النصر في أوروبا”، وهو ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على ألمانيا
النازية.. عام 1945. غير أنني – كمصري بريطانيي – أجد نفسي عاجزًا عن المشاركة في هذا الاحتفال.
لا لأنني أؤيد الطرف الآخر من الحرب، بل لأنني لا أرى في هذا “النصر”.. ما يستحق التصفيق له؛ من
أبناء شعوبٍ كانت هي الضحية الكبرى في صراع.. لم يكن لها فيه ناقة ولا جمل.
لقد عانت بلادي.. مصر، من ويلات الاستعمار البريطاني لعقود طويلة. بنادق “المنتصرين” في الحرب
العالمية الثانية، لم تكن موجهة فقط إلى النازيين، بل كانت – وقبلهم – تُصوَّب إلى صدور أجدادي وأهلي.
كانت بريطانيا في الحرب.. تقاتل من أجل الحفاظ على إمبراطوريتها، لا من أجل قيم الحرية أو العدالة..
التي ترفعها اليوم شعارًا.
من السذاجة، أن يُطلب منّي أن أحتفل بانتصار جيش احتل أرضي، وامتصّ ثروات شعبي، وحارب من
أجل مصالحه.. فوق جثث الشعوب المستضعفة. لم يكن هناك مكان لتقديرنا، أو الاعتراف بتضحياتنا.
كنا مجرد وقود لحرب الآخرين، تُسلب أرواحنا، وتُنهب مواردنا، ثم يُكتب التاريخ من دوننا، أو ضدّنا.
اليوم – وبعد ثمانين عامًا – لا زال المشهد يتكرّر في صورٍ أكثر قسوة.
في غزة، يُقتل الأبرياء، وتُدمَّر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويُعاقَب الأطفال بالموت والجوع والبرد.
وفي خلفية هذا المشهد الدموي، يبرز الدور البريطاني – القديم والمستمر – في تمكين الاحتلال
الإسرائيلي، وتبرير جرائمه، وتجاهل صرخات المظلومين.
العدالة لا تتجزأ. والحرية.. التي نحتفي بها حين تُنتزع من الألمان، تصبح زائفة.. إن لم تُرفع أيضًا في
وجه الاحتلال، والاستعمار، والعنصرية، أياً كان مرتكبها.
كيف نحتفل بانتصار «الخير على الشر»، إن كنا نغض الطرف عن شرور الحلفاء أنفسهم؟
لهذا، فإنني أرفض الظهور على شاشات الاحتفال، وأمتنع عن التصفيق لهذا «النصر». لأن «نصرهم»
كان – ولا يزال – هزيمتنا. وانتصار الظالم.. على ظالمٍ آخر، لا يصنع عدلًا. وإنما يبدّل أسماء الجلادين..
فقط.
ذات يوم، قال تشرشل: «نحن لم نربح الحرب، لنخسر السلام».
وأنا أقول اليوم: إن لم يُقَم السلام على أساسٍ من العدل، فإن كل نصرٍ عسكري.. هو هزيمة مؤجلة. وإن
الاحتفال الحقيقي.. ليس ذلك الذي ينعقد في قاعات لندن، أو في ساحات باريس، بل سيكون.. حين تستعيد
الشعوب المقهورة حريتها الحقيقية، وتسترد كرامتها الفعلية، وتحصل على حقها.. في أن تروي تاريخها
بنفسها. وحين يُحاسَب الظالمون، وتُرفع رايات الحرية فوق كل أرضٍ.. سُحقت تحت عجلات
الإمبراطوريات، من القاهرة إلى القدس، ومن غزة إلى كل قريةٍ.. عانت من الاستعمار، وظلت – بسببه
ومن أثره – تحمل جراحًا.. لا يهتم بمداواتها أحد؛ لأنه لا يشعر بآلامها أحد.
- قيادي في حزب العمال البريطاني.