Times of Egypt

لغز الهدنة

M.Adam
عبدالقادر شهيب 

عبد القادر شهيب

لغز الهدنة لا يكمن في الموقف الإسرائيلي غير الرسمي.. من مشروع الصفقة الجديدة الذي تقدَّم به الوسطاء، ووافقت عليه «حماس» بدون تعديل. وإنما اللغز الحقيقي لها يكمن في الموقف الأمريكي.. الذي عبَّر عنه الرئيس ترامب في كلام له؛ يُفهم منه أنه يوافق على ما أعلنه نتنياهو.. حول رغبته الآن في صفقة شاملة لوقف الحرب، وليس صفقة بهدنة مؤقتة.

بالنسبة لإسرائيل، فإن الاحتلال هو سمة أساسية.. في سلوك نتنياهو، فهو يتفاوض ليس من أجل التوصل إلى صفقة للهدنة، وإنما يتفاوض من أجل التفاوض.. واستهلاك الوقت، والتظاهر بأنه يستجيب لأهالي المحتجزين الإسرائيليين في غزة.. للإفراج عنهم. ولذلك، أن يخرج تصريح عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.. يشي برفض الصفقة الجديدة، ويطالب بصفقة نهائية لإنهاء الحرب.. رغم عدم إرسال الرد الإسرائيلي عن مشروع الصفقة الجديدة رسمياً، فهو أمر لا يثير الدهشة.

ولكن ما يثير الدهشة حقاً، هو الموقف الأمريكي – وتحديداً موقف الرئيس الأمريكي من مشروع الهدنة الجديد – فإن المنطق يقول إن كلاً من الوسيط المصري والوسيط القطري.. حصل على موافقة الوسيط الأمريكي على مشروع الصفقة الجديدة، قبل أن يحصلا على موافقة «حماس»، ويرسلاها إلى إسرائيل.. للحصول على موافقتها عليه؛ خاصة أن المشروع الجديد يمثل – كما قيل – 98 في المائة من مشروع «ويتكوف» الأخير، فإن التغييرات التي طرأت عليه ليست جوهرية، وتتمثل في نقاط محددة؛ مثل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات.. على دفعتين وليس دفعة واحدة، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى أماكن تواجدها السابقة.. قبل خرق وقف إطلاق النار في مارس. لذلك، من العجب أن يتحدث ترامب بما يشي بتأييده ما صدر عن مكتب نتنياهو.. برفض الصفقات الجزئية.

هنا يبدو موقف أمريكا لغزاً كبيراً، فهي تعمل سراً مع الوسطاء العرب – مصر وقطر – من أجل صفقة لهدنة مؤقتة. وفي العلن، ترفضها أو تشيع أنها غير محبذة لها، وتتبنَّى موقف نتنياهو.. الذي سارع مكتبه بإعلانه – وقبل إرسال الرد الإسرائيلي الرسمي على مقترح الهدنة الجديد.. الذي سبق أن وافقت عليه إسرائيل من قبل.

ويزيد من التعجب هنا، أن المشروع الجديد يتضمن وقفاً لإطلاق النار لنحو ستين يوماً، لتبدأ مفاوضات الحل النهائي لوقف مستدام للحرب.. بضمانة الوسطاء الثلاثة، وليس معقولاً أن يقوم الوسيط المصري – ومعه الوسيط القطري – بإدراج ذلك في المشروع، بدون موافقة أمريكية مسبقة! 

لابد أنهما حصلا على موافقة أمريكا بالقطع، قبل تقديمه لحماس، التي وافقت عليه بدون تعديل!

ولا تفسير للموقف الأمريكي هذا – الذي عبَّر عنه ترامب صحفياً – سوى أن أمريكا تركت الباب موارباً لنتنياهو.. لإفشال الصفقة الجديدة، لأنها منحته موافقة على تنفيذ خطته الخاصة بالسيطرة على مدينة غزة، وإخلائها من الفلسطينيين، والدفع بهم جنوب القطاع.. بالقرب من الحدود المصرية، لعلهم يخترقونها.. ليبدأ تنفيذ فصل مهم في مؤامرة تهجير أهل غزة إلى سيناء، بعد أن تعثرت جهود أمريكا وإسرائيل.. في البحث عن دول تقبل بهم؛ سواء عربية أو غير عربية، وذلك لأن مصر تسعى لتطويق تلك الجهود الأمريكية والإسرائيلية، لإثناء هذه الدول عن استقبال أهل غزة.. لحماية القضية الفلسطينية من التصفية.

إذاً مؤامرة تهجير أهل غزة مستمرة، ولم يتم التراجع عنها.. إسرائيلياً وأمريكياً، ولو كانت أمريكا جادة فعلاً في التوصل إلى هدنة في غزة، لتحقق ذلك منذ زمن، بل كانت تلك الحرب الوحشية انتهت، وبدأ تنفيذ المحطة المصرية لإعمار القطاع.

إن المبعوث الأمريكي للمنطقة قد زار إسرائيل أمس الخميس، وعليه حل هذا اللغز الأمريكي، وحث نتنياهو على قبول مشروع الصفقة الجديدة.. الذي يُعد هو صاحبه بنسبة 98 في المائة.

نقلاً عن «أخبار اليوم«

شارك هذه المقالة