عبدالله عبدالسلام
في عام 1948، فرضت إسرائيل نفسها بالسلاح، والدعم الغربي والشيوعي أيضاً.. على المنطقة. أقامت دولتها على الأرض الفلسطينية.. بطريقة تشبه تأسيس أمريكا على أراضي الهنود الحمر خلال القرن الثامن عشر. وفي عام 1967، قدم الكيان المُغتَصِب نفسه كقوة إقليمية.. بعد احتلال أراضٍ في 3 دول عربية، تفوق مساحته كدولة.. مرات عدة.
في «اللحظتين»، تحققت الأهداف التوسعية بتوافق كامل مع الغرب. نجحت إسرائيل في إقناع العالم.. بأنها تُراعي الأعراف والقيم الدولية، وأن العرب معتدون، يريدون حذفها من الخريطة.
الكيان المحتل يعيش الآن لحظته الثالثة. يسعى بقوة وإصرار.. لتغيير قواعد اللعبة تماماً. أعفى نفسه من الالتزام بقيم ومواثيق.. تعارف عليها العالم. كان الحصول على الرضا الغربي أحد محددات الدبلوماسية الإسرائيلية.. خلال العقود التي تلت نكبة فلسطين.
بعد هجمات 7 أكتوبر، قرر نتنياهو التحلل من كل ذلك. لم يعد يضع في حسبانه رد الفعل الغربي؛ سواءً حكومات أو رأي عام. كرَّر كثيراً.. أنه سيفعل ما يراه مناسباً لإسرائيل، بغضِّ النظر عن مدى توافقه مع المعايير الدولية. وعندما كانت أوروبا تُعرب عن استيائها، فإن التهمة جاهزة.. وهي العداء للسامية وتشجيع الإرهاب.
شن نتنياهو حرباً وحشية على غزة، واستباح سيادة السلطة الفلسطينية، و4 دول عربية (سوريا ولبنان واليمن والعراق).. إضافة لإيران. لكن محاولة اغتيال المفاوضين الفلسطينيين في الدوحة الثلاثاء الماضي، كانت ذروة اللحظة الثالثة.. في تاريخ إسرائيل؛ ليس لدى الكيان المحتل علاقات مع الدول العربية التي يستهدفها.. بل هناك حالة عداء. الأمر مختلف بالنسبة لقطر، فرغم عدم وجود علاقات رسمية، إلا أن الصلات بين البلدين لم تتوقف. قطر مفاوض رئيسي.. لإنهاء عدوان غزة، وإطلاق سراح الرهائن. المفاوضون الإسرائيليون.. ضيوف دائمون على الدوحة، فلماذا انتهاك سيادة قطر رغم كل ذلك؟
وفقاً لصحيفة «جيروزاليم بوست»، حذَّر رئيس الموساد ديفيد برنياع – خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية.. الذي سبق الضربة – من تصفية كبار مسؤولي «حماس»، بينما المفاوضات لا تزال جارية. نتنياهو رفض بشكل مطلق هذا المنطق.
دان ديكر – الباحث السياسي الإسرائيلي – يقول إن نتنياهو وضع كل القواعد المتعارف عليها دبلوماسياً.. على الرف. لم يعد هناك التزام بأية قواعد، سوى تلك التي تُحددها إسرائيل. افتراض أن المفاوضات عملية متحضرة.. فيها أخذ وعطاء، قد انتهى. احترام والحفاظ على حياة مفاوضي الطرف الآخر – وهو العرف المعمول به منذ العصور الوسطى – لم يعد له محل من الإعراب. اعتقاد قطر أنه يمكنها لعب دور مهم في الوساطة، وفي نفس الوقت توفير ملاذ آمن لقادة حماس، لم يعد يروق لإسرائيل. يقول ديكر: «إسرائيل قررت الحديث بنفس لغة الشرق الأوسط، الذي لا يعرف أبناؤه سوى النصر أو الهزيمة. لا مجال للدبلوماسية والقيم الغربية المتحضرة». هذه النظرة العنصرية.. تحكم إسرائيل الآن.
قبل ضرب الدوحة بيوم واحد، مرت الذكرى الخامسة للاتفاقيات الإبراهيمية. إسرائيل لم تحترم بنداً واحداً من تلك الاتفاقيات، التي كان من بين مبررات توقيعها.. فتح الطريق لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي.
إسرائيل – حالياً – تُنهي الصراع.. بوأْد القضية الفلسطينية، وتُعيد تشكيل المنطقة جذرياً.
… الزمن الإسرائيلي بدأ. العرب للخلف دُر!
نقلاً عن «المصري اليوم»