Times of Egypt

لا توجد منطقة وسطى بين الدولة الدينية والدولة المدنية!

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان 

الغريب، أن تيار الإسلام السياسي – وهو كل الفرق التي تنادي بالخلافة أو إقامة الدولة الدينية، ويرفضون «مدنية» الدولة، ويطالبون بإقامة الدولة الدينية «الإسلامية» – لا يرون في شكل الدولة الدينية.. سوى تطبيق الحدود ليس غير؛ وكأن تطبيقها يضمن النجاة من الفقر، والشفاء من المرض، وتأمين الرعية من الجوع والخوف.

والحدود أربعة.. لا غير – كما جاءت في القرآن – وهي تحديداً: حد الزنا.. وهو الجلد مائة جلدة. وحد السرقة.. وهو قطع اليد اليمنى، من مفصل الكف. وحد الحرابة.. على قطاع الطرق، والمفسدون في الأرض، والعقوبة.. إما القتل والصلب، أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض. وحد القذف.. ثمانون جلدة، لمن يرمي «يقذف» المحصنات (العفيفات).. بالزنا، ولم يأتِ بأربعة شهود. ولا يسري حد القذف.. على رمي أو اتهام بغير الزنا، وغير النساء. وكأن الإسلام – عندهم – لم يأتِ إلا للجلد وقطع الأيدي والصلب، وكأنها شهادة موثقة، تضاف إلى شروط الإسلام. بل إنهم يعتبرون إقامة الحد.. الركيزة الأساسية، ودعامة رئيسية في إنجاح الدولة الدينية، ومنها تنطلق الدولة بسرعة الصاروخ إلى العالمية؛ وهو اختزال ليس في محله، فلا تقام الدولة، وتستقر أركانها.. إلا بالعمل والعلم والعدل.

والحدود أربعة لا غير.. كما جاء في القرآن، إلا أن هؤلاء قد زادوا، ووضعوا حدوداً وعقوبات.. تصل إلى الآلاف، لم تكن من عند الله، بل وضعية وبشرية؛ كعقوبة الجلد لشارب الخمر.. ثمانين جلدة «وضعها علي بن أبي طالب». وعقوبة اللواط.. فقد اتفقوا على قتلهما (الفاعل والمفعول به). واختلفوا في كيفية القتل؛ منهم من رأى قتلهما بالسيف، ومنهم من رأى رميهما من أعلى جدار في القرية.. حتى الموت، ومنهم من رأى رجمهما بالحجارة، ومنهم من رأى حرقهما بالنار.

الغريب، هو إصرار هذا التيار على اختزال الشريعة في هذا النحو، وما انتبهوا إلى أن ما جاء في القرآن.. عن الحدود، لا يتعدى ثلاثين آية. وكان الأولى الالتزام بصور الحق والعدل والخير، وليس الأمر هيناً في تطبيق الحدود، فإن تطبيق هذه الحدود.. له قواعد شرعية، لإثبات وقوع الجريمة من الناحية الشرعية.. حتى يتم تنفيذ الحد، وهذه الشروط تجعل تطبيق الحد.. يشبه المستحيل، بل نطمئن أن تطبيق هذه الحدود – وفقاً للشروط الشرعية التي وضعوها بأنفسهم – أصبح في حكم المحال والمتعذر. وما دامت هذه الحدود موقوفاً العمل بها، وشروطها الشرعية قد ضيقت – على التطبيق – تماماً، ورأى مشايخنا أن الحل في العقوبة التعزيرية «التأديبية من الحاكم» – التي يسنها ويشرعها القانون – لمن يفلت من إقامة الحد، وفعله ثابت وموثوق.. إلا أنه قد تجاوز الشروط. وما دامت الآلاف من العقوبات قد وضعوها وضعاً، فإن أمر القانون الوضعي.. يعد قائماً بيننا على هذا النحو، والأهم أن هذا القانون الوضعي.. عليه أن يساير حركة الحياة، بالتعديل والمراجعة. 

ودعوة تطبيق الشريعة (الحدود في مفهومها الضيق عند هذا التيار) في فترة من فترات السجال والمبارزة الفكرية، من بعض تيارات الإسلام السياسي (المداهن والمراوغ).. وإن كان صائباً، كانت تميل إلى التوافق بين الشريعة «الحدود»، وما شرعه المشرع من قوانين وضعية؛ وذلك تخفيفاً من حدة الخلاف بين الشريعة والقانون. إلى جانب أن هذا التيار، قد تأكد أن تطبيق الحدود أمر يتعذر العمل به، ومن ثم ستفلت الأمور، وتخرج عن السيطرة.. إذا ما واجهوا جريمة نافذة، ثابتة على أطرافها.. دون القدرة على تطبيق العقوبة المقررة، لعدم استيفاء الجريمة شروطها الشرعية، ويحتاج الأمر إلى عقوبات تعزيرية «تأديبية» «وضعية»؛ خصوصاً أن معظمهم على يقين أن هذه القوانين الوضعية، تم انتخابها واختيارها.. من مجموعة القيم والأعراف والعادات والتقاليد السائدة، ومتفق عليها برضا الجميع. والشريعة أيضاً – في وقت من الأوقات – كان متفقاً عليها (معظم الحدود) من قطع يد السارق، والحرابة كان معمولاً بها قبل الإسلام.. اختارها أهل الجزيرة بمحض إرادتهم، ووافق الإسلام على بقائها والعمل بها، وهذا ما دفع هذا التيار إلى اختراق الدساتير.. بنص «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع«.

وأكاد أجزم، أن أي دولة – لها دستور ومؤسسات تشريعية – ينص دستورها على أن الدين مصدر رئيسي للتشريع.. كالمادة الثانية في دستورنا «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، ليست دولة مدنية خالصة صافية، إلا إذا كان نصاً بروتوكولياً تاريخياً.. لا ينقص ولا يزيد؛ كمن قال «نُسخ الحُكم وبقيت تلاوته». وأقرب مثال لذلك دستور سويسرا.. فوجوده والعدم سواء. فلا جلباب يجمعهما في لباس واحد، ولا تعايش سهل ومريح.. بين الدولة الدينية والدولة المدنية، بل يظل الصراع محتدماً ومتأججاً بين الطرفين، ويمارس التيار الديني دور الدولة العميقة.. في تعطيل البناء، وإبطال البنيان الديمقراطي، والعمل على إفشال دولة القانون والمواطنة، بل والوقوف ضد حرية الرأي، و حق الغير في ممارسة شعائره الدينية، ويظل متربصاً بالدولة – هو وكوادره – يستقطب هذا، ويستميل ذاك، ويحرض هنا، ويشعل نار الفتنة هناك.. ولذلك، فلا منطقة وسطى بين الدولة الدينية والدولة المدنية.

(الدولة المدنية هي الحل).

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة