ساعدت الحرب في أوكرانيا في تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على صناعة الأسلحة العالمية، وفقًا لدراسة نُشرت معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أشارت إلى ارتفاع صادرات الأسلحة الأمريكية بين عامي 2020 و2024 بأكثر من الخمس مقارنة بفترة السنوات الخمس السابقة، لتصل إلى 43 في المائة من الإجمالي العالمي.
وبحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، الذي نشر الدراسة، فقد استحوذت الولايات المتحدة على 35% في المتوسط من صادرات الأسلحة العالمية على مدى العقدين الماضيين، مما يجعل الارتفاع الأخير غير عادي.
وقال ماثيو جورج، مدير برنامج نقل الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: “تحتل الولايات المتحدة مكانة فريدة عندما يتعلق الأمر بصادرات الأسلحة. فمع 43% من صادرات الأسلحة العالمية، فإن حصتها تزيد عن أربعة أمثال حصة فرنسا، ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم”.
ووجد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن أوكرانيا، التي غزتها روسيا في فبراير/شباط 2022، كانت أكبر مستورد للأسلحة بين عامي 2020 و2024، حيث زاد عدد وارداتها بنحو 100 مرة عما كانت عليه بين عامي 2015 و2019. وارتفعت واردات الأسلحة إلى الدول الأوروبية بنسبة 155 في المائة في نفس الفترة، مدفوعة بالمخاوف من توسع الكرملين والضغوط من الولايات المتحدة لإعادة التسليح.
وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي تمارس فيه إدارة ترامب ضغوطا على أوكرانيا لإنهاء الحرب التي بدأت بغزو روسيا قبل أكثر من ثلاث سنوات. وقال الرئيس دونالد ترامب مرارا وتكرارا إن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على تعويض عن مساعداتها العسكرية لأوكرانيا، والتي يأتي الكثير منها في شكل معدات عسكرية، من خلال صفقة مقترحة تتيح للولايات المتحدة الوصول إلى المعادن الحيوية في أوكرانيا.
رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رواية ترامب بشأن المساعدات الأمريكية وأشار إلى أن حصة كبيرة من 174 مليار دولار من الأموال الأمريكية التي خصصها الكونجرس ردًا على الحرب في أوكرانيا ذهبت في الواقع إلى صناعة الدفاع الأمريكية.
في الوقت نفسه، واصل ترامب حث الدول على شراء الأسلحة الأميركية. وفي حين يشكك البيت الأبيض في قدرة حلف شمال الأطلسي، أفادت وكالة بلومبرج نيوز الشهر الماضي أن المسؤولين الأميركيين حثوا الحلفاء الأوروبيين على شراء الأسلحة الأميركية لتعزيز التحالف.
وقال ويليام هارتونج، الخبير في تجارة الأسلحة والذي لم يشارك في دراسة معهد ستوكهولم لأبحاث السلام: “كان ترامب مروجًا عدوانيًا لمبيعات الأسلحة في ولايته الأولى”، مضيفًا أن ترامب انحاز إلى شركات الأسلحة حتى عندما أدت جريمة قتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين إلى دعوات لوقف المبيعات إلى الرياض.
وقال هارتونج، الذي يعمل في معهد كوينسي للحكم المسؤول، وهو مركز أبحاث في واشنطن يروج للمشاركة الدبلوماسية على الصراعات، “الجانب الآخر هو أن المبيعات مرتفعة بالفعل، فهل يستطيع أن يتفوق عليها؟”
وتشير الدراسة إلى أن المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا كانت بمثابة نعمة لمنتجي الأسلحة الأميركيين. فمعظم الأسلحة الأميركية المرسلة إلى أوكرانيا جاءت من خلال سلطة السحب الرئاسية، والتي بموجبها ترسل الولايات المتحدة المعدات من مخزوناتها، أو من خلال برنامج آخر يستخدم التمويل لشراء الأسلحة مباشرة من الشركات المصنعة الأميركية.
وتحسب الدراسة الأسلحة المرسلة من المخزونات باعتبارها صادرات. كما أرسلت الدول الأوروبية مساعدات من مخزوناتها، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على الأسلحة الأميركية.
إن تأثير الحرب في غزة على تجارة الأسلحة العالمية أقل وضوحاً في بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، التي تتعقب عمليات تسليم الأسلحة وليس الإعلانات عنها. ويقول جورج: “عادة ما يكون هناك تأخير” بين الإعلان عن المبيعات والمساعدات وتسليمها.
وأضاف جورج أنه إذا تم إزالة قيمة صادرات الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا وإسرائيل من بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإن الولايات المتحدة ستظل تمتلك حصة تبلغ 37 في المائة من صادرات الأسلحة العالمية بين عامي 2020 و2024، مما يجعلها أكبر مصدر عالمي.
وبحسب بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، تراجعت صادرات الأسلحة الروسية بشكل حاد، بنسبة 64% في آخر خمس سنوات. ورغم أن غزو الكرملين لأوكرانيا في عام 2022 أدى إلى عزلة دبلوماسية واسعة النطاق وعقوبات اقتصادية على روسيا، فقد وجد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن التراجع بدا وكأنه يسبق الحرب، مع انخفاض تاريخي في أحجام الصادرات في عامي 2020 و2021.
وقال بيتر ويزمان، الباحث البارز في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام: “لقد ضعفت بالفعل اثنتان من أهم علاقات تجارة الأسلحة بالنسبة لروسيا قبل عام 2022، مع تفضيل الهند بشكل متزايد للموردين الآخرين، وقيام الصين بشراء المزيد من الأسلحة من صناعة الأسلحة الناشئة الخاصة بها”.
قالت إدارة ترامب إنها تأمل في زيادة المبيعات العسكرية للهند. وفي الشهر الماضي، أخبر الرئيس رئيس الوزراء الهندي الزائر ناريندرا مودي أنه سيحقق “مليارات الدولارات” إضافية من المبيعات للهند وسيفكر في تزويد نيودلهي بطائرات مقاتلة من طراز إف-35.
وتشكل الطائرات مثل إف-35، وهي الطائرة المقاتلة الأكثر تقدما في الولايات المتحدة، أكبر فئة من مبيعات الأسلحة الأميركية، وفقا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، تليها الصواريخ والمركبات المدرعة مثل الدبابات القتالية الرئيسية.
أبرمت الدول الأوروبية اتفاقيات متزايدة لشراء الأسلحة الأميركية بين عامي 2020 و2024، متجاوزة بذلك الشرق الأوسط كأكبر وجهة إقليمية لها. ولا تزال بعض هذه الطلبات غير مكتملة، ومن المتوقع أن تساهم في مزيد من النمو في فترة الدراسة التالية.
ولكن لا يزال الكثير غير مؤكد: فقد تم إيقاف المساعدات الأميركية لأوكرانيا . وتستمر أوروبا في تعزيز الإنفاق الدفاعي، وهو ما قد يعزز صناعة الأسلحة الأميركية، في حين تسعى أيضاً إلى الحد من الاعتماد على واشنطن ــ وهو ما قد يعني في نهاية المطاف إنفاق الأموال في مكان آخر.
وقال هارتونج: “ربما يتطلع بعض الحلفاء الأوروبيين إلى الداخل بدلاً من شراء المنتجات الأميركية بسبب تصريحات ترامب بشأن التحالف ومعاملته حتى الآن”.