أحمد الجمال
أشتاق لمراجعة ما استقر في عقلي وذاكرتي.. عن تراثنا القبطي الوطني، كلما اقترب غزو البرد إلى اللحم والعظم؛ وخاصة بالقرب من الثمانين، والهرولة لدولاب الهدوم.. حيث الفانلات طويلة الأكمام والكلاسين (أو الكلسونات طويلة الأرجل)، التي تعددت ماركاتها منذ طفولتي إلى كهولتي.. إذ أذكر أبويا وأنا شابط في جاكتته، وهو يدخل محل الصاوي في طنطا، ليسأل عن وصول الفانلات ماركة «كابو».. حتى وصلنا إلى قطونيل والإمبراطور، وكلها من القطن المصري، الذي لا يضاهيه نسيج؛ حتى وإن كان من بلاد الإفرنج وماركاتها الشهيرة.وقد اكتشفت الآن – فيما أكتب هذه السطور – عند بحثي في الإنترنت، أن شركة كابو المصرية أنشئت سنة 1940.. في الحضرة بالإسكندرية، وما زالت قائمة تحت اسم شركة النصر للملابس والمنسوجات.
وأعود لتراثنا القبطي، لأجد أن اليوم الذي كتبت فيه هذه السطور.. هو يوم الإثنين 29 هاتور المبارك – كما يذكره الجزء الأول من كتاب السنكسار، «الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين.. المستعمل في كنائس الكرازة المرقسية في أيام وآحاد السنة التوتية»، الذي وضعه الأنبا بطرس الجميل.. أسقف مليج، والأنبا ميخائيل.. أسقف أتريب، والأنبا يوحنا.. أسقف البرلس، وغيرهم من الآباء والقديسين.. وناشر الطبعة – التي بين يديَّ – هو مكتبة المحبة القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة.. وجاء بعده يوم الأربعاء الماضي.. أول شهر كيهك سنة 1742 بتقويم الشهداء؛ أي التقويم القبطي، الذي بدأ عام 284 ميلادية، وهو العام الذي تولى فيه الإمبراطور السفاح دقلديانوس حكم الإمبراطورية الرومانية، وعصره هو عصر الشهداء، لأنه قام بمذابح رهيبة للمسيحيين المؤمنين.وفي يوم 29 هاتور – ووفق تاريخ السنكسار – استشهد القديس بطرس.. بابا الإسكندرية السابع عشر، وخاتم الشهداء، لأنه طلب أن يصلي قبل قطع رأسه، وجثا على ركبتيه، وطلب من الله قائلاً: «ليكن بدمي انقضاء عبادة الأوثان، وختام سفك دماء المسيحيين»، وأتاه صوت من السماء سمعته عذراء قديسة كانت بالقرب من المكان، يقول: «آمين.. أن يكون لك كما أردت».
ولما أتم صلاته، تقدَّم السياف وقطع رأسه المقدس، وظل الجسد في مكانه حتى خرج الشعب من المدينة مسرعاً.. وأخذوا الجسد الطاهر وألبسوه ثياب الحبرية، وأجلسوه على كرسي مارمرقس – الذي كان يرفض الجلوس عليه في حياته – وكان يقول في ذلك.. «إنه كان يرى قوة الرب جالسة عليه، فلا يجسر هو أن يجلس، ثم وضعوه حيث أجساد القديسين».انتهى الاقتباس من المصدر.
وأنتقل إلى شهر كيهك الذي بدأ الأربعاء الماضي، الذي شهد اليوم السادس منه عام 970 ميلادية، التي وافقت عامَي 359- 360 هجري، ووافقت أواخر سنة 688 شهداء أو قبطي، وكانت مصر تحت حكم المعز لدين الله الفاطمي، الذي كان له وزير اسمه يعقوب بن يوسف أو ابن كلس – وكان يهودياً وأسلم – وكان يحمل عداوة شديدة لقبط مصر، وله صديق يهودي استطاع – عبر صداقته به – أن يدخل إلى مجلس الخليفة المعز لدين الله ويقترب منه، وذات يوم طلب من الخليفة أن يستدعي البطريرك القبطي أبرام ابن زرعة ليجادله، وجاء البطرك القبطي المصري، ومعه الأب الأنبا ساويرس ابن المقفع – أسقف الأشمونين – وجلسا صامتين.
ليسألهما المعز: لماذا لا تتجادلان؟ فأجابه الأنبا ساويرس: «كيف نجادل في مجلس أمير المؤمنين.. من كان الثور أعقل منه»، فاستوضحه المعز عن ذلك، فقال: إن الله يقول على لسان النبي: «إن الثور عرف قانيه – مربيه – والحمار عرف معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف» سفر أشعيا.
ثم جادلا اليهودي وأخجلاه.. بما قدَّما من الحجج الدامغة لصحة دينهم، وخرجا من عند المعز مكرَّمين، فلم يحتمل اليهودي ولا الوزير يعقوب – الذي كان يهودياً وأسلم – ذلك الذي حدث وصارا يتحينان الفرص للإيقاع بالنصارى.وهنا تبدأ صفحة أخرى بديعة.. من تاريخ مصر القبطي – الذي هو من صميم تاريخنا الوطني العظيم – الذي استمر منذ حقب ما يُعرف بما قبل التاريخ.. وإلى الآن، وقدَّمت فيه المحروسة آلاف الشهداء، الذين قضوا دفاعاً عن وطنهم وعقيدتهم.
والصفحة التي أعنيها، هي حكاية نقل جبل المقطم.. التي كتبت عنها من قبل، ولا بأس من أن أكرر الكتابة عنها وعن الأشهر القبطية التي سمعت أسماءها لأول مرة وأنا طفل في السادسة من عمري، أي منذ أكثر من سبعين عاماً، عندما كان جدي لأبي يتكلم مع الحاج أحمد الكاتب.. عن أبيب ومسرى!
نقلاً عن «المصري اليوم»