عادل نعمان
… ولسنا في مجال تقييم معاوية، ولا تكريم علي، وإن كنت بطبعي أميل ناحية علي، ولو كنت قد خُيرت في بيعة أحدهما – في حينه – لاخترت عليا، ولو خُيرت على بيعة أحدهما دون غيرهما الآن.. لاخترت معاوية، فإن الزاهد التقي الورع.. لا يسيّر شؤون الأمة، ولا يحسن أمور الحكم والسياسة؛ وهي مهمة رجل الدولة.. الذي يستطيع أن يسايس ويماري، ويسير بين هذا وذاك.. ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهي مهمة ثقيلة لا يتقنها التقي الورع.
الحكاية السادسة: «كاتب الوحي».
يقطع الكثير من الرواة، بأن معاوية لم يكن كاتبا للوحي، بل كان – بعد إسلامه – ضمن كتاب رسائل النبي، ولم يثبت أنه كان كاتباً «للوحي».. في صحيح واحد من الصحاح، أو مسند من المسانيد، اللهم ما جاء بوصفه «كاتبه فقط». وكان للرسول كتبة للوحي وكتبة للرسائل، وهذا رأي الحافظ بن حجر والمدائني، وقال الذهبي – في «سير أعلام النبلاء» – «كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبي فيما بينه وبين العرب». وقال البلاذري: «كتب للنبي بعد إسلامه عام الفتح»، وقال المسعودي: «كتب له معاوية قبل وفاته بأشهر»، أما ما جاء عن رواية بن عباس: «حين قال له النبي اذهب فادع لى معاوية، عاد إلى الرسول وقال له: يأكل، قال له النبى: لا أشبع الله له بطنا»، فليس فى هذه الرواية سبب في طلبه حتى تكون سندا لكتابته الوحي عن النبي. وفي رواية أخرى قال ابن عباس: «إنه كاتب للوحي»، إلا أن ما جاءنا فى مسند أحمد بن حنبل صحح هذا، عن بن عباس قال: «قال لي النبي ادع لي معاوية، وكان كاتبه» ولم يذكر كاتباً للوحي.
وعن إسلامه، فهذا ما يقوله ابن تيمية: «إيمان معاوية ثابت بالنقل المتواتر، وإجماع أهل العلم على ذلك، كإيمان أمثاله.. ممن آمن عام فتح مكة، مثل أخيه يزيد وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل». انتهى. وفي الفتح أسلم أبوسفيان ومعظم أهل قريش، حين لم يكن أمامهم من سبيل سواه، وإلا أزهقت أرواحهم، وكان العرب يطلقون عليهم «الطلقاء» حين قال لهم النبي «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أما عن التحاقه بكتبة النبي، فكان بطلب من أبي سفيان، ولم يرد له النبي طلبه.
وذكر الذهبي في السير «قيل إنه أسلم قبل أبيه.. وقت عمرة القضاء، وبقي يخاف اللحاق بالنبي من أبيه، ولم يظهر إسلامه إلا عام الفتح». وهي رواية ضعيفة، والأقرب للحقيقة.. إسلامه عام الفتح، كما ذكرنا سابقاً.
ولن نجد تحليلاً أصدق مما جاء على لسان د. طه حسين – في كتابه الفتنة الكبرى «علي وبنوه» – ومهما يقول الناس في معاوية، فقد كان معاوية هو ابن أبي سفيان قائد المشركين يوم أحد ويوم الخندق، وهو ابن «هند»، التي أغرت بحمزة حتى قُتل، ثم بقرت بطنه ولاكت كبده، وكادت تدفع النبي نفسه إلى الجزع على عمه الكريم. وفي موقع آخر: «وأبوسفيان هو الذي ظل يدبر مقاومة قريش للنبي، وكيدها له، ومكرها به، حتى كان عام الفتح.. فأسلم، حين لم يكن له من الإسلام بد»!!
وفي موضع آخر: «أبو سفيان زعيم قريش.. لم يُسلم إلا كارهاً، حين رأى جيوش المسلمين مطبقة على مكة، فأدخله العباس على النبي.. فأسلم كرهاً لا طوعاً، ولم يتردد في الاعتراف بأن لا إله إلا الله، أما حين طلب إليه أن يشهد أن محمداً رسول الله.. قال: أما هذه فإن في نفسي منها شيء». انتهى. وقد كان معاوية على عهده مع أبيه، وعلى دينه.
الحكاية السابعة: خال المسلمين:
أولاً «قرابة معاوية من النبي».. فهو معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أما النبى فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويجتمعان فى الجد «عبد مناف». وخال المؤمنين، لأنه أخو أم حبيبة زوج الرسول. ولأن زوجات الرسول أمهات المؤمنين «وأزواجه أمهاتهم»، فإن هذا اللقب – كما يستحقه معاوية تكريما له – فهو حق قد أخفاه المسلمون عن عبد الله بن عمر، أخو حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين، وكذلك محمد بن أبي بكر، أخو عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين أيضاً، فكيف أخفى هذا اللقب عنهما؟ وأم حبيبة هي «رملة بنت أبى سفيان بن حرب»، وليست أختاً شقيقة لمعاوية، بل أخته من الأب فقط، وأمها ليست هند بنت عتبة.. بل من زوجته الأولى «صفية بنت أبي العاص»، وقد أسلمت «رملة» وهاجرت هي وزوجها «عبيد الله بن جحش» إلى الحبشة في الهجرة الأولى، وفي الهجرة أنجبت ابنتها «حبيبة»، ومات زوجها في الحبشة. منهم من قال قد ارتد عن الإسلام في هجرته، ومنهم من قال قد تنصر، المهم أنه مات.
وتكريماً لها على صبرها، يخطبها النبي لنفسه وهي في هجرتها، ويوكل عنه في خطبتها «خالد بن سعيد بن العاص»، وقد كانت أسن «أكبر» من النبي بثمانية عشر عاماً، ويقال إن النجاشي ملك الحبشة هو الذي دفع صداقها عن النبي. «الحكاية القادمة حكاية مقتل الحسن بن علي». الدولة المدنية هي الحل.
نقلاً عن «المصري اليوم»