Times of Egypt

قمة فلسطين

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري

الاجتماعات عديدة، والقمم كثيرة، لكن ما يتذكرها التاريخ تبقى قليلة، لا لعيب في اجتماع هنا أو نقص في قمة هناك، ولكن لأن التوقيت والملابسات والمجريات والمستخلصات تفرض نفسها.. باعتبارها إما عابرة أو تاريخية.

في ثقافتنا متلازمة تربط بين «التاريخي» والعظيم أو المجيد أو الرائع. وحين يتم اختيار «شخصية العام» مثلاً، يجد البعض صعوبة في هضم فكرة أن «شخصية العام» ليست بالضرورة هذا الشخص الملاك الأيقونة.. صانع البطولات والمعجزات… إلخ، بل قد يكون شخصية العام لفرط غرابته أو أعماله الغريبة أو غير المتوقعة.

مجلة «تايم» حين تختار «شخصية العام» لا تختارها لأن صاحبها أعظم من يعيش على ظهر الأرض أو لأنه صاحب أفضل الأعمال، ولكن لأن وجوده أو قراراته أثرت على كثيرين. على سبيل المثال، اختارت المجلة العريقة.. الرئيس ترامب شخصية العام نهاية العام الماضي، وقالت ضمن أسباب الاختيار: اليوم نشهد على ظهور الشعبوية مجدداً، وتشكيك متنامٍ بالمؤسسات التي طبعت القرن الماضي، وتآكل الثقة بأن القيم التقدمية ستُفضي إلى حياة أفضل لغالبية الناس. وترامب محرك كل ذلك والمستفيد منه. وبسبب عودته التاريخية، وإحداثه إعادة تموضع سياسي فريدة من نوعها، ولأنه غيّر صورة الرئاسة الأمريكية، وعدّل دور الولايات المتحدة في العالم، اختارته المجلة شخصية العام 2024.

وأعود إلى الاجتماعات والقمم التاريخية، وأقول إن القمة التي استضافتها القاهرة، «قمة فلسطين» تاريخية بكل المقاييس. بذلت مصر جهداً خارقاً، وتعاملت مع المعطيات بحنكة بالغة، وصاغت التفاصيل ببراعة فائقة. التوقيت تاريخي لحساسيته الشديدة، والموضوع تاريخي لخطورته الفائقة، والمنطقة بعدها لن تكون هي نفسها المنطقة قبلها.

الخيال الشعبوي والبعد عن أرض الواقع.. يدفعان البعض للتصور أن على القمم أن تخرج من قاعة الاجتماع بجموع غفيرة تهتف «ع القدس رايحين شهداء بالملايين»، وكلٌّ حامل سلاحه. أذكّر نفسي وإياكم بأن جانباً معتبراً من هؤلاء.. هم أنفسهم الذين يصولون ويجولون، ويدوخون السبع دوخات.. بحثاً عن «واسطة» تعفي الابن من التجنيد، أو تضمن له تجنيداً مريحاً، حبذا لو مكتبياً.

فكرة القتال بالغير، وإشهار سلاح الحنجورية.. لترويع المطالبين بتحكيم العقل، أمور آن لنا أن نراجعها، مع إعطاء عقولنا هدنة للتفكير، لا التكفير.

في مقال سابق، كتبت هذه السطور: «التأمل فيما جرى ويجري في المنطقة العربية، للخروج بفهم أكبر لما يحدث، أو للقدرة على توقع ما ستسفر عنه المجريات، والاستعداد لما نحن مقبلون عليه يحتاج إلى حد أدنى من تحرر العقل وقدرة العين والمخ والقلب على رؤية المتغيرات، لا التقيد بحدود ما نتمناه».

هذه ليست قمة ننتظر منها نجاحاً أو إخفاقاً. إنها قمة حياة القضية الفلسطينية أو موتها. ومادامت الأجواء تدعو إلى التأمل، فلنقرأ ما يمكن قراءته على هامش القمة، لا متنها، وعوامل نجاح أو إخفاق القمم العربية بالغة الأهمية كهذه، والمتمثلة في التوافر الفعلي، لا الشفهي أو التصوري، لوحدة الصف والاتفاق على الهدف، والعمل المشترك على تحقيقه.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة