Times of Egypt

قمة شنغهاي.. التعددية في مواجهة الأحادية

M.Adam
د. صلاح حليمة

د. صلاح حليمة

انعقدت قمة شنغهاي التاسعة – من 31 أغسطس إلى الأول من سبتمبر 2025 – بمدينة تيانجين بالصين. ويمكن اختزال الأهداف الاستراتيجية للمنظمة في ثلاثية؛ تحقيق نظام دولي متعدد الأقطاب/ ضمان أمن اقليمي/ تعزيز التنمية المستدامة.. عبر حوار بين قادة الدول والحكومات ومشاركة/ القطاع الخاص/ رجال الأعمال/ المنظمات الاهلية.

يمثل هذا التجمع 2.3 مليار نسمة – أي 40% من سكان العالم – و25% من إجمالي الناتج المحلي العالمي – أي حوالي 30 تريليون دولار- و20% من حجم التجارة الدولية؛ وهي أمور تجسد أهمية ووزن وثقل هذا التجمع.. كقطب دولي يتمتع بقوة عسكرية نووية واقتصادية وتجارية متنامية ومتعاظمة، في مواجهة الغرب.. وخاصة الولايات المتحدة الامريكية. 

انعقدت القمة في ظل أوضاع وتطورات إقليمية ودولية.. تتسم بتعقيدات جيوسياسية واقتصادية متزايدة، مرتبطة بالنظام الدولي القائم، ونظيره التجاري القائم أيضا.. مع تصاعد التحديات الاقتصادية والتجارية بين الشرق والغرب، بل وبين القوى الغربية ذاتها، مع تراجع الثقة في مؤسسات مالية غربية. وفيما يشهده العالم من قضايا ونزاعات إقليمية؛ سواء في منطقة الشرق الأوسط، حيث تواجه القضية الفلسطينية تحدي حتمية تسوية القضية.. في مواجهة مساعي تصفية القضية، بتواطؤ وتحالف استراتيجي إسرائيلي-أمريكي, بجانب سعي إسرائيل إلى ضم أراض من دول عربية.. في إطار شرق أوسط جديد.

وتشهد القارة الأوروبية تصاعد الاحتدام، ففيها تتصاعد حدة المعارك بين روسيا وأوكرانيا، كما تشهد منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي أزمات عديدة لدول بالمنطقة، وحركة الملاحة البحرية به. وتشهد منطقة الساحل بإفريقيا تغيرات جيوسياسية، قد تدفع إلى تغيير الخريطة السياسية في تلك المنطقة، ومناطق وقوى النفوذ بها.. جاءت تلك التطورات على خلفية نهج ورؤى أحادية، وبغطرسة القوة – في عهد الرئيس ترامب – لتنال في الأطر السياسية من النظام الدولي القائم، وفي الأطر الاقتصادية.. تبنى مبدأ «أمريكا أولاً»، ليتخذ من الاعتبارات الاقتصادية والمعاملات التجارية.. عبر الرسوم الجمركية، سلاحاً للمصالح الاقتصادية. وفي الأطر الامنية والدفاعية، فإن الدور الامريكي سلعة قابلة للبيع والشراء.. بمقابل مادي سياسي، وبأن التراب الوطني لدول – او أجزاء منه – سلعة قابلة للبيع او الشراء، بل وللاستيلاء عليه بالقوة.

جاءت قمة شنغهاي التاسعة، لتؤكد أن العالم أمام منعطف تاريخي.. نحو تعدد الأقطاب الدولية، في مواجهة الأحادية القطبية، وممارساتها المشار إليها. انعقدت القمة في ظل مبادئ مستقرة بين الدول الأعضاء، أرستها الصين تحت مسمى روح شنغهاي.. «تتجسد في الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة والمساواة والتشاور والتنمية المشتركة واحترام تنوع الحضارات/ تجاوز الخلافات الايديولوجية والنظم الاجتماعية». 

تمحورت أبرز المخرجات.. حول إرهاصات تعاون، قد يراه البعض بداية لتحالف ثلاثي صيني-روسي-هندي، تجسد في مشهد رفع أيادي الرؤساء الثلاثة، ليتأكد معه التوافق على الرؤية الصينية.. بالتوجه نحو نظام عالمي جديد، يتجاوزالزعامة والتفوق الغربي ونزعة الهيمنة، تسوده عولمة اقتصادية مفتوحه، ونظام حوكمة أكثر عدلا ومساواة. 

إن هذا التوافق.. يدفع إلى القول أن الصين والهند اتفقا على رؤية للشراكة، بدلاً من التنافس. وعلى التفاهم بدلاً من التصادم، وتسوية النزاع الحدودي بينهما. وقد يكون هناك مقاربة صينية.. لمعالجة الخلاف بين باكستان والهند. كما توافقت الآراء على دعم إيران.. في مفاوضات الملف النووي. ومن بين المخرجات، التوافق على خريطة للشراكة في الذكاء الاصطناعي، على أن يتم تعزيز التعاون في هذا المجال.. في ظل حقوق متساوية لجميع الدول، في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي. 

وقد تأكد التوجه نحو إنشاء منظمة لتنسيق الجهود العالمية.. لتنظيم التكنولوجيا المتطورة، ووضع خريطة لهذا الغرض. وتم إنشاء بنك للتنمية، يأخذ بنظام دفع بديل للدولار الأمريكي. وتعهدت الصين بمساعدات مجانية بقيمة 280 مليون دولار.. للدول الأعضاء، بالإضافة إلى 4.1 مليار دولار.. على شكل قروض لأعضاء المنظمة خلال السنوات الثلاث القادمة. كما جاء العرض العسكري الصيني – الذي أبهر العالم – بما أحرزته الصين من تقدم، بصدد قواتها البرية والجوية والبحرية.. في إطار تكنولوجيا حديثة متطورة، تشكل تحديا جديا لقدرات وإمكانات الولايات المتحدة الأمريكية. 

لقد أثارت القمة – ومخرجاتها – قلقاً أمريكياً شديداً، تجسَّد في اعتراف صريح من ترامب.. بأن الصين استطاعت أن تجذب كلاً من روسيا والهند.. نحو تعاون أو تحالف يجمعهم معا، وأن كلاً من الصين وروسيا وكوريا الشمالية (والهند)، يتآمرون على الولايات المتحدة، وفي عقده اجتماعاً عاجلاً مع رؤساء شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية.. ليواجه هذا التحدي الوليد، وتغييره اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب. 

إن منظمة شنغهاي.. أضحت ملاذاً آمناً في الأطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية – بل والأمنية والدفاعية – في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وسياسة القطب الواحد، وسياسة العقوبات الأحادية، والتدخل في الشأن الداخلي، وعدم احترام المواثيق والقوانين والاتفاقات الدولية.

إن عضوية مصر في هذه المنظمة.. كشريك للحوار، فتح ويفتح آفاقاً رحبة مستحدثة.. لتعاون إيجابي وبناء في الأطر الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، عبر العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقات، مثلما هو الحال لعضوية مصر في البريكس، وفي مبادرة الحزام والطريق، وتجمعات الشركاء الدوليين الآخرين. 

وفي المجمل، تراعي مصر توازناً منشوداً.. في علاقاتها مع القوي الاقليمية والدولية، في الأطر المشار إليها.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة