Times of Egypt

قليل من التناغم

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري..
تقول لهم: ما دخل الدين ورجال الدين.. في القانون وتطبيقه، وفي التعليم وأنظمته، وفي الصحة وعلاجاتها، وفي المواصلات العامة وخطوطها، وفي سوق العمل ومؤهلاته، وفي السفر ورحلاته؟!
فتظهر علامات الفزع على وجوههم، والاحتقان في أوصالهم، ويصرخون: الدين ورجاله في كل نَفَس نتنفسه، وفي كل تفصيلة نعيشها، وفي كل قرار نتخذه، وفي كل قانون نسنه.
تسألهم: تمام، أليست القيادة عكس الاتجاه، أو الجنونية التي تُعرِّض صاحبها.. ومن حوله لمخاطر بالغة حرام؟ وترشح صاحبها لدخول النار؟!
تظهر على وجوههم علامات الاستهجان، وأمارات الاستنكار، ويهزون أكتافهم، ويطلقون ضحكاتهم الصفراء الباهتة، وهم يقولون.. باستخفاف واستهزاء: وما دخل الدين في المرور، وعكس الاتجاه وفي الاتجاه؟!
أو ربما تسألهم عن قتل الكلاب والقطط، وتسميمهم وتعذيبهم. أو من يضرب حماره أو حصانه، أو جاموسته أو معزته. وألا يكون مرشحاً بقوة لمكانة بارزة في نار جهنم.. التي يهددوننا بها، إن لم نلتزم بالمقاييس التي قرروا..بناء على ما ورثوه عن أمرائهم وكبارهم، أو ممن يسمون أنفسهم علماء ورجال دين والدين.. أي دين، منهم بريء؟
تعاود عروقهم الانتفاخ، وتتسارع كلمات الاستهجان والاستنكار، ويخبرونك – بكل تأكيد – أن الجنة والنار ومآل الناس، ومن يستحق ماذا.. هي أمور لا يتدخل فيها البشر. وأن تسميم الحيوانات والتخلص منها.. أمور عادية ومقبولة. وأن الأولوية للإنسان.. الذي ميزه الله عن باقي الكائنات.
ولولا الكسوف، وخوفاً من اتهامهم بالنفاق والرياء والكذب والادعاء، لحكموا عليك بالكفر والفسق، ولأخبروك بأنك لو بقيت على طريق الضلال.. الذي تسير فيه، ستحترق عظامك في نار جهنم، التي أكدوا – في الجملة نفسها – أنها والجنة.. قرارات ربانية لا علاقة للبشر بها.
على مدار عقود من متابعة المد الرجعي.. المتزمت المتطرف المتشدد، الغارق في السطحية الممعن في المظهرية، الذي حول شوارعنا وبيوتنا ومدارسنا وأعمالنا.. إلى «من بره هالله هالله ومن جوه يفتح الله»، يتأكد لي كل يوم.. أن شدة المد رهيبة، وأن مقاومة التطهير عنيفة، وأن الإصرار على ما نحن فيه.. تصحبها عزيمة حديدية وإرادة من صلب.
ولا يسعني سوى تكرار الأسئلة: كيف لهذا الكم من مظاهر «الالتزام» الشديد والتدين الرهيب، أن يتزامن ويتزامل ويتعايش ويتواءم مع هذا الكم من الفصام في المبادئ، والانفصال عن متطلبات الحياة، والإغراق في إحصاء عدد الخطوات.. التي نخطوها في الطريق إلى بيوت الله، التي تضمن لنا حساباً متخماً في بنوك السماء؟ أو صراع بناء المزيد منها بدلاً من المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والرياضية؟ وإن طالبنا بالترشيد، أو تحدثنا عن أولويات مختلفة، تنتفض الأوصال وتنتفخ الشرايين، وهي الأوصال والشرايين نفسها.. التي لا تهتز لها شعرة لسير عكسي، أو جنوني.. يقتل الأبرياء، أو تلال قمامة على مرمى حجر من المسجد.. الذي تكلف بناؤه ملايين، أو تعذيب حيوانات وقتلها.. على يد من كنا نعتقد أنهم المسؤولون عن رعايتها وحمايتها.
كل المطلوب قليل من التناغم.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة