عمرو الشوبكي
طالب الكثيرون بفتح معبر رفح.. أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وكما كان هناك بعض المزايدين، كان هناك كثير من العاقلين.. الذين لم يطالبوا مصر بمواجهة عسكرية، ويعرفون أن من أغلق معبر رفح.. هو دولة الاحتلال، وأن دخول المساعدات لن يتم إلا إذا وافقت عليها إسرائيل، وأنها يمكن أن تدمر وتصفي أي قافلة تضامن أو مساعدات.. دون أي حساب.
ومع ذلك، فإن القضية يجب أن تناقش مصرياً وعربياً بعيداً.. عمن يُحمل مصر مسؤولية ما يجري في غزة، وليس دولة الاحتلال؛ إنما من زاوية: هل هناك تقصير عربي في الدعم الإنساني، والمشاركة الفعالة.. في الحملات القانونية ضد ممارسات إسرائيل؟
الحقيقة، الإجابة بنعم؛ فالتضامن الإنساني مع أهل غزة في الخطاب الرسمي.. محدود للغاية، (مقارنة – حتى – بزعماء أوروبيين، أو من أمريكا الجنوبية.. الذين ركزوا عليه)، ولو مراعاة للرأي العام في بلادهم. وأصبح مطلوباً إعطاء مساحة واسعة للتحركات الشعبية السلمية، وللمبادرات الأهلية.. من أجل دعم المنكوبين في قطاع غزة؛ سواء عن طريق القوافل الطبية أو الأدوية والأطعمة، وهي كلها مبادرات لن تكون رسمية.. ولن تحمل الدولة تكاليفها أو أعباءها.
إن المحرك الأول للمظاهرات – التي تجري في العالم كله – هو الجرائم المروعة.. التي ترتكب بحق شعب غزة، والتجويع والتنكيل الذي يصيبهم بشكل يومي، وأن خطابات كثيرة من دول العالم؛ ومنها تصريح رئيس وزراء بريطانيا قبل ايام.. على أنه سيلقي مساعدات من الجو إلى أهل غزة، تقول إن هناك قوة دفع إنسانية – أكثر من السياسية – في التضامن مع القطاع المنكوب.
إن جرائم دولة الاحتلال.. أعادت إحياء القضية الفلسطينية – من جديد – في نفوس شعوب العالم، وأيقظت أصوات الضمير.. في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية، فشهدنا تحركات ملهمة لدولة غير عربية.. مثل جنوب أفريقيا، حين ذهبت لمحكمة العدل الدولية.. تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وطالبت المحكمة بإجراءات لحماية الشعب الفلسطيني.. لم تحترمها إسرائيل، وعلى أثرها أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قراراً بملاحقة نتنياهو ووزير دفاعه السابق.. بتهم ارتكاب جرائم حرب، كما صار حديث قادة العالم عن تجويع الناس.. مدخلاً لكثيرين لاتخاذ مواقف سياسية أكثر تشدداً تجاه إسرائيل، ومنها إعلان الرئيس الفرنسي نيته الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل.
قضية المساعدات لغزة.. لم تعد فقط قضية إنسانية، إنما صارت في قلب الصراع السياسي بين العالم وإسرائيل، وهذا الأمر مرشحٌ للتصاعد، لأنه بعد أن أضعفت حرب غزة تنظيمات المقاومة المسلحة، وأيضاً البدائل العسكرية التي مثلتها إيران وغيرها، ولا زال يستسهلها البعض، صارت المعركة مدنية، وشعبية، وإنسانية، وقانونية.
على مصر أن تعي أن قضية إدخال المساعدات لم تعد قضية إنسانية، إنما صارت محور السياسة، ويجب أن نتعامل معها بشكل جديد ومختلف.
نقلاً عن «المصري اليوم«