Times of Egypt

قصة الكنز العظيم (2)

M.Adam
زاهي حواس

زاهي حواس
تحدثنا في المقال السابق عن قصة اكتشاف كنوز خبيئة المومياوات.. عن طريق عائلة عبد الرسول الشهيرة في بلدة القرنة.. غرب الأقصر. بمجرد أن أبلغ محمد عبد الرسول عن مكان الخبيئة، وصل النبأ إلى الخديوي توفيق.. الذي أمر بتشكيل بعثة للسفر على متن المنشية (مركب بخاري تابع للأنتيكخانة). ضمَّت كلاً من «أميل بركش» و«تاضرس ماتافيان» الذي كان يعمل مفتشاً بالأهرام، وضمَّت كذلك «أحمد باشا كمال».. أول أثري مصري.. كان يعمل بالمتحف المصري ببولاق في هذا الوقت.
وصلت المركب إلى الأقصر يوم الاثنين 4 يوليو ظهراً. وقاد «محمد عبد الرسول» البعثة إلى خبيئة المومياوات. داخل البئر يوجد ممر طوله حوالي ستين متراً.. أُحكم غلقه بمتاريس، وأبواب تؤدي إلى حجرة مستطيلة طولها ثمانية أمتار، مكدَّسة بالتوابيت والمومياوات. ودخل أفراد البعثة وهم مندهشون بهذا الكشف العظيم، فها هم أمام مومياء «سقنن رع» – الذي بدأ بتحرير مصر من الهكسوس – وابنه «أحمس الأول» مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، ومومياء «تحتمس الثالث» أعظم ملوك العصر القديم، و«سيتي الأول» مؤسس الأسرة التاسعة عشرة، ومومياء «رمسيس الثاني».. الخالدة ذكراه في نفوس البشر، وغيرهم من الملوك والملكات والأمراء والأميرات.
وتعاون أفراد البعثة – ورجالهم من عمال الآثار – مع رجال الشرطة.. في إخراج وحراسة هذه الآثار، إلى أن تم وضعها على متن «المنشية» التابعة لمتحف بولاق، وأبحرت إلى القاهرة يوم 11 يوليو عام 1881. وفي وداعها كل أهالي قرية القرنة؛ الرجال واقفون في وداع المومياوات، وأعينهم تفيض بالدموع من الحزن. أما النساء فقد ارتدين ملابس الحداد السوداء.
هذه هي اللحظة التي استطاع الفنان «شادي عبد السلام» أن يخرجها في فيلم المومياء وكأنه يرسم لوحة بإتقان وبراعة.
وصلت السفينة – التي تحمل مومياوات من سطروا تاريخ مصر العظيم إلى جمارك القاهرة يوم 14 يوليو، وهناك احتار موظف الجمارك.. في كيفية دخول هذه المومياوات إلى القاهرة، إذ لا يوجد في قائمة الجمارك كلمة مومياء، وفطن موظف الجمارك إلى فكرة بارعة، حيث سجلها على أنها سمك مملح.. في أغرب واقعة للجمارك في التاريخ. ونُقلت المومياوات بعد ذلك إلى متحف بولاق.
وبعد عودة ماسبيرو إلى مصر، توجه إلى الأقصر.. وتمكن من دخول الخبيئة كي يفحصها جيداً مرة ثانية؛ وبالفعل عثر على بعض القطع الأثرية – التي كانت لا تزال داخلها – بل واستطاع أن يصل إلى حجرة ثانية، يوجد بها ممر ضيق.. يؤدي إلى وادي الملوك. وقد عثر على أجزاء من تابوت الملك «رمسيس الأول»، ولكن لم يتم العثور على موميائه، ولذلك اعتقد البعض أن المومياء قد سرقت أو دمرت.
وقد ظل لغز مومياء رمسيس الأول مغلقاً إلى عام 1995، حينما زار متحف نياجرا فولز أحد علماء الآثار، وشاهد بالمتحف مومياء لسيدة، وقال إنه يعتقد أن هذه المومياء خاصة بالملكة «نفرتيتي» زوجة الملك «إخناتون»، ووقتها خرجت الصحف بعناوين ضخمة براقة.. تشير إلى العثور على مومياء الملكة «نفرتيتي». وقد أعلنت بالصحف أن المومياء الموجودة بالمتحف ليست للملكة «نفرتيتي».
وبعد الإعلان عن كشف مومياء الملكة «نفرتيتي» بمتحف «نياجرا فولز»، زار عالم الآثار الألمانى «إيجا برخت» – الذي كان يعمل مديراً بمتحف «هيلدزهايم» في ذلك الوقت – متحف «نياجرا فولز» وشاهد المومياء، وقال: «إن هذه المومياء ليست للملكة نفرتيتي، بل وإنها ليست مومياء ملكية». وبعد ذلك نظر إلى مومياء أخرى بجوارها وقال: «بل إن هذه المومياء لملك»، ولم يشِر إلى اسم الملك.
وبعد ذلك قام متحف «مايكل كارلوس» – وهو متحف تعليمي مرتبط بجامعة أمريكية بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا – بشراء هذه المومياء، وبعض القطع الأثرية الهامة، وكان يرأس القسم المصري الأثري «بيتر لاكوفارا».. وهو مهتم بدراسة المومياوات، وقام بعمل العديد من الدراسات على هذه المومياء، وساعده العديد من العلماء، وأعلن المتحف أن هذه المومياء لملك، وأن هذا الملك هو «رمسيس الأول».. الذي حكم مصر حوالى عامين فقط، وهو أصلاً من شرق الدلتا، وكان يعمل ضابطاً في الجيش، كما شغل أيضاً منصب الوزير واسمه رعمسو. نظم متحف «مايكل كارلوس» بأتلانتا معرضا صغيرا باسم الملك «رمسيس الأول».. تضمن قطعا أثرية من ذلك العصر، بالإضافة إلى المومياء التي نتحدث عنها الآن.
وعندما زرت المتحف – وأنا أمين عام الآثار في ذلك الوقت – كان علماء الآثار تأكدوا أن المومياء للملك «رمسيس الأول»، وأنه من المحتمل أن عائلة «عبد الرسول».. قد باعت هذه المومياء إلى تجار العاديات في ذلك الوقت.
وبعد أن وقفت أمام المومياء ساعات طويلة، أدليت بحديث لشبكة سي إن إن CNN. وأعلنت أنني سوف أطلب من المتحف – بصفة ودية – أن تعود هذه المومياء إلى مصر، وفعلاً نجحت المفاوضات.. التي تمت بيني وبين مديرة المتحف، من أجل أن تعود هذه المومياء إلى مكانها الطبيعي مصر.
لن أنسى يوم وصول هذه المومياء إلى متحف الأقصر، والتابوت عليه علم مصر. قلت في ذلك اليوم، إن جزءاً من التاريخ المصري القديم قد عاد إلينا.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة