Times of Egypt

«قشرة» علاقتنا بالغرب!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام..


في مذكراته – التي أعدتُ قراءتها قبل أيام، وعنوانها: «طريقي.. سنوات الحلم والصدام والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء»، الصادرة عام 2013 – يستعيد الدكتور كمال الجنزوري (1933- 2021)، رئيس الوزراء الأسبق، حادث اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندى في نوفمبر 1963.. حينما كان الجنزوري في أمريكا للحصول على الدكتوراه، قائلًا: «اغتيل كيندي، وكان رئيسًا محبوبًا.. وتولى بعده السيد/ ليندون جونسون، وأذكر – في يوم توليه – أنه خرج ليتحدث على الهواء للصحافة، فتقدم منه أحد الشباب.. ليقول له: «أنت رجل قذر». لم أُصدق أُذني، أو أتصور أن يُخَاطب رئيس الجمهورية بمثل هذه العبارة، وبهذا الأسلوب.. بعيدًا عن كل الأخلاقيات. لكن رد الرئيس الجديد – الذي لم يفقد الابتسامة – قائلًا: قد تكون على حق، فأنا أعمل منذ فترة طويلة في مهنة قذرة، وهي مهنة السياسة». وانتهى الأمر.
ساءلت نفسي: على مدى العقود الطويلة الماضية، سافر شباب مصريون نابغون للغرب، وحصلوا على أعلى الشهادات، وانبهروا بمناخ الحرية، وأسلوب التعامل بين الأساتذة والطلاب، وبين السياسيين والناس العاديين، ومدى حرية الصحافة هناك. لكنهم عندما عادوا إلى مصر، لم تنفعهم تلك الخبرة،أوذلك الانبهار في شيء. عادوا كما كانوا. غلب الطبع التطبع. وضعوا مسافات هائلة بينهم وبين مرؤوسيهم، وكذلك بينهم وبين الجمهور. قلدوا البيروقراطية المصرية، وركنوا ما تعلموه، وتعرفوا عليه في الغرب على الرف. كان الأمر بالنسبة لهم بمثابة قشرة خارجية.. سرعان ما نزعوها، ورجعوا إلى سيرتهم الأولى.
أحد أسباب ذلك، أنهم لم يندمجوا – بشكل فعلي- في الحياة الجامعية، ولم يفهموا الغرب على حقيقته، ولم يغيروا رؤاهم بشأن حدود ممارسة السلطة والنفوذ. لم يتوقفوا كثيرًا عند مسائل.. كالشفافية، وحق الناس في المعرفة.كان كل همهم.. الحصول على الدكتوراه، والعودة لتولي المناصب التي حلموا بها. اعتقدوا دائمًا.. أن ما يحدث في الغرب ممتع ومثير، لكنه لا يصلح للتطبيق عندنا.
الصحافة هناك، يمكنها الكشف عن الفساد، وانتقاد المسؤولين.. كما تشاء. لكن فيما يتعلق بنا، فلدينا خصوصياتنا وأخلاقياتنا.
أتذكر أنني كنت أعمل مراسلًا لـ«الأهرام» في لندن.. خلال النصف الثانى من التسعينيات، ووقع حادث إرهابي خطير.. ضد السياح في الأقصر، يوم افتتاح بورصة لندن العالمية للسياحة. سألت وزير السياحة آنذاك، المرحوم ممدوح البلتاجي، عن رد فعله، فصرخ وقال: لن ننشر شيئًا. قلت له: معالي الوزير.. العالم كله يتحدث عما جرى، وليس منطقيًّا ألّا تقول شيئًا. ثم إنني سأبعث بما تقول دون تحريف. عندها هدأ، ووافق، بعد تردد.
أُدرك أن هناك فوارق كثيرة – في التعامل السياسي والعلاقة مع الجمهور – بيننا وبين الغرب، لكنني تصورت أن رؤساء الوزارات والوزراء، ومَن دونهم – ممن تلقوا تعليمهم بأوروبا وأمريكا – يمكنهم تضييق الفجوة، والبدء بأنفسهم.. من خلال تعامل مختلف مع مرؤوسيهم، ومع بقية المصريين. لكن الواقع أثبت عكس ذلك.
الأمر لا يختلف كثيرًا عما وصفه أديب نوبل، نجيب محفوظ، في روايته الفذة «حضرة المحترم». المدير العام.. في نظر البطل عثمان بيومي، إله أرضي، وحجرته هي حضرته المصونة. فما بالنا لو كان وزيرًا؟!
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة