Times of Egypt

قراءة في «سرد الذات» للدكتور سلطان القاسمي «2»

M.Adam
د. أحمد زكريا الشلق 

د. أحمد زكريا الشلق

.. ومن واقع اهتمامه الشديد والمستمر بالتعليم ومؤسساته، خصَّص مؤلفنا فصلاً في كتابه.. عن تطور التعليم في الشارقة، تحدث فيه عن مراحله الخمس؛ بدءاً بالمرحلة الأولى في عام (1951 – 1952) وانتهاءً بعام (1955 – 1956). وذكر أنه كان لقلة عدد الكتب آنذاك.. كان يشترك كل طالبين في كتاب واحد، وكيف أن الشيخ عبدالله السالم الصباح – حاكم الكويت – عندما زارهم بالمدرسة.. حل مشكلة نقص الكتب، عندما قرر أن يرسلها من الكويت مباشرة.. دون انتظار مجيئها من مصر بطريق الهند، مما كان يؤخر وصولها لأسابيع. 

وأفاد أن البنات خُصِّص لهن جزء من المدرسة القاسمية، عُزل بسياج من سعف النخيل. وأضاف أن المدرسة القاسمية.. ضُمَّت إلى دائرة المعارف بالكويت، لتكون تحت إشرافها ورعايتها. وذكر أنه في عام (1955 – 1956) أيضاً، وصلت البعثة المصرية المكونة من عدد من الأساتذة، وذكر أنه في عام (1954 – 1955).. كانت قد تأسست بالمدرسة أول فرقة كشافة بالإمارات، وأنه اختير العريف الأول لها، وأن الكويت تولت ما يلزم لتأسيس أول فريق أشبال في الإمارات، ذلك الذي شارك في المخيم الكشفي العاشر بالكويت، وكان الفتى سلطان هو رئيس الفريق في مارس 1956.

ولما كان حريصاً على إتقان اللغة الانجليزية، فقد التحق بمدرسة مسائية خاصة.. تدرِّس هذه اللغة، فتعلم فيها كتابة الرسائل للشركات التجارية وكتابة التقارير، كما تعلم الكتابة على الآلات الكاتبة. وكان له اهتمام الخاص بالثقافة؛ فعندما سافر إلى البحرين في يونيو 1955، بحث عن «مكتبة المؤيد».. التي كانت تورد الكتب لمكتبة عمه الشيخ سلطان بن صقر بالشارقة، وكان الشاب يقرأ فيها كثيراً، ومما اقتناه من الكتب: الشوقيات لأمير الشعراء، والحيوان للجاحظ، وعنترة بن شداد، وأبوزيد الهلالي، وألف ليلة وليلة، وغيرها.

لقد خصَّص المؤلف فصولاً مهمة – في سيرته – للحديث عن العدوان الثلاثي، الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956؛ فذكر أنه.. في 29 أكتوبر 1956، اعتدت بريطانيا وفرنسا.. وربيبتهما إسرائيل على مصر، وأنهم ضربوا محطة الإرسال التي أقامتها إذاعة صوت العرب بالمقطم.. فتوقف الإرسال الذي كان يُسمع بالشارقة، وإن ظل صوت العرب يصل إلى الشارقة.. من إذاعة دمشق، وأنهم كانوا حينذاك يتابعون أخبار العدوان.. والناس هائجة، واللعنات تنهال على المعتدين، والهتافات بالنصر لمصر تتعالى، وأنه فكرَّ فيما يمكنه عمله من أعمال المقاومة ضد الإنجليز في الشارقة.. مهما كانت ضآلته، «ليخسر المعتدي ولو بمقدار إبره؟» حسب تعبيره.

وقد هداه تفكيره – في أول نوفمبر – أن يتجه إلى القاعدة البريطانية بالشارقة، وكان شخصه معروفاً لدى المسؤولين فيها، بحكم أنه أحد لاعبي فريق الكرة بها، وكان بذلك يتردد على المكان، وذكر أنه ذهب إلى حظيرة الدبابات.. ليدرس المكان ويتأكد من أن الأسلاك الشائكة للمبنى.. ليست مكهربة بالليل. وعندما تأكد من ذلك، ذهب بسيارته في 2 نوفمبر 1956 – بحجة الإعداد لإحدى المباريات مع فريق المحطة – وعندما وصل إلى مخزن الذخيرة، بعد خديعة الحارس، درس الموقع الذي أتاه ليلاً، وزحف على بطنه. لكنه لم يلبث أن تراجع.. بعد أن فوجئ بتشديد الحراسة. 

وفي 7 نوفمبر، اتفق مع صديقين له.. هما: محمد بن سلطان وحمد المناعي، على إشعال حريق جرى بالفعل.. على البوابة الخلفية للمبنى، تحوَّل فيه الليل إلى نهار. ثم هربوا، وكانت هذه هي العملية الفدائية الأولى.

وقد تحدَّث كاتبنا – بالتفصيل الدقيق – عن عمليات ثلاث أخرى: منها عملية في 8 نوفمبر؛ حين استطاع – مع صديقيه المشار إليهما – قطع أنبوب المياه الحديدي، الذي ينقل المياه للقاعدة، وتركوا المياه تنهمر منه بغزارة. 

أما العملية الثانية، فقد قام فيها – مع صديقيه أيضاً – بإشعال النار في مسكن وسيارة القائد الإنجليزي لفرقة المجندين (الليفيز). 

وأما العملية الثالثة، فتمثلت في الإعداد لحرق ثلاث طائرات حربية بريطانية بالقاعدة، وذكر أنه «ربما هي التي كانت تقتل النساء والأطفال في بور سعيد». ولكن العملية اكتُشفت قبل إشعال الحريق في الطائرات، وأنه ورفيقيه فروا إلى الصحراء، ليصل إلى بيته قبيل الفجر، ليسأله والده «أأنت الذي تقوم بهذه الأفعال؟». فلما أجابه بنعم، ضمَّه الوالد إلى صدره، وأخذ يقبله.. قائلاً لوالدته «هذا الولد قام بعمل لم أستطع أن أقوم به»!

لقد كان الشاب يحمل كراهية شديدة للإنجليز، لتدخلهم في الأوضاع الداخلية، فكانوا يتدخلون لإبعاد المدرسين من المدرسة القاسمية، ويضغطون على مكتب الكويت لتنفيذ ذلك، لأنه كان يشرف على المدرسة ويموِّلها، وقد ذكر أن الانجليز عزلوا ناظر المدرسة القاسمية.. حين رأوه يرتقي بالعملية التعليمية، ويشجع إقامة أنشطة مدرسية للطلاب، فضلاً عن المهرجانات الرياضية.. التي كان يحضرها شيوخ الإمارات، وجمع غفير من السكان.

وقد ذكر أنه – في بداية سبتمبر 1959 – أصدرت الحكومة الإيرانية إعلاناً.. عن فتح مكتب لإسرائيل في طهران، الأمر الذي أدى إلى خروج مظاهرات في البحرين.. احتجاجاً على ذلك، وأن الأمر قد استفزه، لذلك قاد بنفسه – مع تريم بن عمران – مظاهرة في الشارقة صباح يوم  5 سبتمبر، اتجهت إلى مطار الشارقة.. للاحتجاج على موقف حكومة الشاه. وذكر أنه قبل سفره إلى الكويت، كان ترتيبه الأول في الصفوف الدراسية دائماً، وكان الرقيب الأول على فرقة الكشافة، ورئيس فريق كرة القدم، كما أنه أصدر مجلة حائط باللغة العربية.. عنوانها «التقدم»، وأخرى بالإنجليزية، وأنه كان يكتب مقالاتها جميعاً بنفسه، كما كان يرسم وسائل الإيضاح لجميع الصفوف.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة