Times of Egypt

قراءة في «سرد الذات» للدكتور سلطان القاسمي «1»

M.Adam
د. أحمد زكريا الشلق 

د. أحمد زكريا الشلق

استمتعت بقراءة سردية الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.. عن ذاته؛ وهو المؤرخ والأديب الذي حصل على دكتوراه الفلسفة في التاريخ الحديث من جامعة إكستر ببريطانيا عام 1985، كما حاز على دكتوراه ثانية في الجغرافيا السياسية للخليج من جامعة دورهام ببريطانيا عام 1999، وصاحب المؤلفات العديدة في التاريخ، التي من أبرزها دراسته الرائدة عن أسطورة القرصنة العربية في الخليج، ومؤلفاته عن الاحتلال البريطاني لعدن، وتقسيم الامبراطورية العمانية، والعلاقات العمانيةـالفرنسية، وصراع القوى والتجارة في الخليج.. وغيرها من الدراسات والمؤلفات التاريخية العلمية الموثقة، التي تضعه في مكانته بين المؤرخين.. عن مقدرة وكفاية وإنتاج تاريخي علمي رصين. 

ولذلك يحتل سموه مكانة مرموقة بين جماعة المؤرخين، ثم إنه الرئيس الفخري لجمعيتنا المصرية للدراسات التاريخية، التي أهدانا مبناها الجميل بمدينة نصر، (أرضاً ومبنى وتأثيثاً ـ تسليم مفتاح ـ ضمن موجات كرمه.. التي غمرت وتغمر منشآت عديدة؛ وفاءً لوطن يحبه ويحمل له أجمل الذكريات). وقد أتحفنا عام 2009، بكتابة سيرة ذاتية ممتعة تحمل عنواناً جذاباً هو «سرد الذات»، التي صدرت عن دار منشورات القاسمي بالشارقة، ثم صدرت منها طبعة جديدة عن دار الشروق بالقاهرة عام 2010. 

وقد كشفت هذه السيرة عن روح أديب ومؤرخ.. يدرك قيمة المذكرات السياسية والسير الذاتية؛ بوصفها من مصادر التاريخ، وأديب مطبوع.. له نتاج أدبي روائي ومسرحي، وإبداعات شعرية تكشف عن موهبة يعرفها قراء الأدب ونقاده، ويقدرونها حق قدرها. وليس من شأني هنا أن أتحدث عن نشاطه السياسي والوطني، ومناصبه الإدارية والسياسية.. التي أوصلته ليكون حاكما للشارقة، وعضواً بالمجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية، فهذا من شأن كُتاب السياسة والمؤرخين المتخصصين، ولكنني سأكتفي هنا بتسليط الضوء على سيرته الذاتية المتميزة «سرد الذات»، وبالتحديد.. على إيمانه واقتناعه بالفكر القومي العربي، وتعبيره عن ذلك من خلال مواقفه وسلوكه وآرائه، كما أسلط الضوء على مرحلة من مراحل تكوينه العلمي والدراسي بالقاهرة، قبل أن يصبح حاكما لبلاده منذ يناير 1972، فأتناول سنوات دراسته الجامعية بالقاهرة وتعلقه بها خلال الفترة (1965 ـ 1970). 

لقد ذكر الدكتور سلطان.. أنه كتب هذه السيرة، ليوثق فيها تاريخ أهله وبلده على مدى تسعة وعشرين عاما، أي منذ مولده في يوليو عام 1939، وحتى تولى حكم الشارقة في يناير 1972. وقد كتب.. أن وعيه بالدنيا ظهر وهو ابن الخامسة من عمره، عندما رأي القوات والطائرات البريطانية المشاركة في الحرب العالمية الثانية، تتجمع في معسكر بريطاني تابع لمحطة الطيران بالشارقة.. في ربيع عام 1944، فروى أنه وصلت إلى الشارقة فرقة من سلاح المهندسين الأمريكيين، وبنت لنفسها مركزاً للتدريب شرق المعسكر البريطاني آنذاك. عندما كان والده الشيخ محمد بن صقر القاسمي نائباً لحاكم الإمارة (وهو عمه الشيخ سلطان بن صقر) . 

وتذكَّر الصبي أن والده قام بزيارة مجاملة للقائد الأمريكي – مصطحبا ولديه خالد وسلطان – وأن القائد أخذهم في جولة في المعسكر بسيارة برمائية مكشوفة. وتذكَّر أيضاً أن الناس كانوا يحتشدون أمام حصن الشارقة.. ليستمعوا إلى نشرة أخبار الحرب العالمية الثانية، التي كانت في أواخرها عام 1945، وكان نصف الناس يؤيدون دول الحلفاء، والنصف الآخر يؤيدون دول المحور. وتذكَّر كذلك أن الانجليز كانوا يأتون بالسينما مرة كل أسبوع.. إلى مناخ الإبل، ليعرضوا أفلاماً عن انتصاراتهم في الحرب. وكتب أن نظام الحكم آنذاك كان بسيطاً، فإلى جانب عمه الحاكم الشيخ سلطان، كان نائبه هو شقيقه الشيخ محمد، وإلى جانبه أيضاً عمٌ ثان.. هو ماجد بن صقر، الذي كان يتولى حل مشاكل الناس في مقر له بالسوق، وأنه كان يحوِّل بعض هذه المشكلات إلى قاضي الشرع. 

وقد ذكر أن الإنجليز أقاموا مقراً للوكالة السياسية البريطانية بالشارقة، يقيم فيه الضابط السياسي البريطاني. وذكر كذلك أن والده كان معارضاً لإقامة محطة الطيران البريطانية بالشارقة عام 1931، ويرى أن تكون المحطة مدنية وليست عسكرية. وقد حصل من الإنجليز على خطاب ضمان يحمي استقلال الشارقة، وعدم التدخل في شؤونها.. (وقد أشار مؤلفنا إلى أنه سجل هذه الأحداث بقدر من التفصيل في كتابه «محطة الشارقة الجوية»). 

المهم، نلاحظ أن وعي الصبي تفتَّح على واقع الوجود البريطاني، وقواعده العسكرية في البر والبحر. وبالرغم من أن هذا الوجود يستند إلى اتفاقيات أو ـ تعهدات ـ تتعلق فقط بأمور دفاع بريطانيا عن الإمارات، وتولي أمورها الخارجية، إلا أن ممثلي بريطانيا – من وكلاء أو ضباط سياسيين أو مقيمين في الخليج – فرضوا هيمنة، تستند إلى الوجود العسكري، على سائر أمور الإمارات داخلياً وخارجياً، وعلى من يتولى السلطة، وإن شهد التاريخ على أن بعض الأمراء والشيوخ.. قد تصدّوا لذلك وحاولوا الفكاك من ربقة هذه الهيمنة. 

وفيما يتعلق بتعليمه، فقد ذكر أنه بدأ بالكُتاب.. عندما كان يتردد على بيت المطوع الشيخ فارس، ليتعلم ويحفظ جزء عمَّ. وعندما بلغ التاسعة، التحق بالصف الأول بمدرسة الإصلاح القاسمية عام 1948، وكانت مدرسة بسيطة.. مبنية بسعف النخيل على شكل خيام، أرضها مفروشة بالحصير الذي يجلس عليه الطلاب، عدا طلبة الصف الخامس – الذين كانوا يجلسون على أدراج – وكان هو وزملاؤه يتعلمون الكتابة على ألواح حجرية سوداء. وقد استكمل الصبي دراسته.. في مبنى جديد لمدرسة الإصلاح القاسمية في العام (1949 ـ 1950) بعد أن التحق بالصف الثالث. ولم يتوقف عن تعلم القرآن.. «حتى ختمه بتلاوته صحيحاً، وليس بحفظه كله».

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة