Times of Egypt

قراءة في زيارة السيسي لقطر والكويت.. الدوافع والرسائل

M.Adam

عمر أسماعيل*
في توقيت بالغ الحساسية والدقة.. سياسيًا واقتصاديًا، جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كلٍّ من قطر والكويت، محاطة بأجواء بروتوكولية هادئة، وتصريحات رسمية.. تحمل عناوين مألوفة، حول “تعزيز العلاقات الثنائية”، و”دفع سبل التعاون المشترك”. لكن خلف هذا الغطاء الدبلوماسي، تتحرك ملفات استراتيجية، وتُفتح قنوات تواصل غير تقليدية، تشير إلى أن الزيارة تتجاوز الطابع الرسمي، وعمق التحديات المعقدة.. التي تواجه مصر على المستويين الداخلي والإقليمي.
بحث عن دعم عاجل في زمن الأزمات
المشهد الاقتصادي المصري.. لا يحتاج إلى كثيرا من الايضاح والشرح؛ ارتفاع معدلات التضخم، تآكل قيمة العملة المحلية، عجز في توفير النقد الأجنبي، وتأجيل في تدفقات استثمارية.. كانت مرجوة من شركاء إقليميين تقليديين. وفي ظل هذه الأزمة المركبة، تأتي زيارة السيسي إلى الدوحة والكويت.. في سياق البحث عن إغاثة مالية عاجلة؛ كما وصفها بعض المراقبين.
توقيع اتفاقيات بقيمة 7.5 مليار دولار مع قطر، لا يعكس فقط رغبة في التعاون، بل يعكس حاجة ملحّة لمصادر تمويل مباشرة، لتثبيت الوضع الداخلي اقتصاديًا.. قبل الاستحقاقات المقبلة.
ملف المعارضة.. وحوار خلف الأبواب المغلقة
من المعروف، أن الدوحة تُعد من أبرز الحاضنات الإعلامية والسياسية للمعارضة المصرية بالخارج. ومن المرجح، أن يكون أحد الأهداف – غير المعلنة – للزيارة هو محاولة إعادة ضبط إيقاع الظهور الإعلامي والسياسي للمعارضين، خصوصًا في ظل مؤشرات على احتدام التوتر الداخلي.. قبيل استحقاقات سياسية.
مصادر – غير رسمية – تشير إلى وجود تفاهمات أولية.. بشأن هذا الملف، في إطار صفقة أوسع؛ تشمل الدعم الاقتصادي، مقابل تهدئة إعلامية، وتنسيق إقليمي.
غزة بعد الحرب.. وبناء ما بعد الدمار
الملف الفلسطيني – خاصة ما بعد حرب غزة – يفرض نفسه بقوة.. على أجندة اللقاءات؛ فمصر تسعى لتكريس موقعها.. كوسيط إقليمي أساسي، في حين تملك قطر أدوات تأثير فاعلة – عبر علاقتها مع الفصائل الفلسطينية – وفي مقدمتها حماس. أما الكويت، فهي.. وإن ابتعدت عن المشاركة المباشرة، إلا أنها تمثل تيارًا خليجيًا.. مؤيدًا لخيار المقاومة.
الزيارة إذًا، تحمل أبعادًا تتعلق بترتيب الأدوار الإقليمية.. في مرحلة ما بعد الحرب؛ لا سيما في ملف إعادة الإعمار، وتوزيع – و تعزيز – النفوذ الإقليمي.
تحوّط من التغيرات الخليجية والدولية
تأتي هذه التحركات أيضًا.. ضمن محاولة مصرية لإعادة التوازن في علاقتها بدول الخليج.في ضوء توتر صامت مع بعض الأطراف، وتذبذب في مواقف أطراف أخرى، وهو ما يدفع القاهرة إلى تقوية روابطها مع قطر والكويت؛ في مسعى لاستعادة هامش مناورة سياسي واقتصادي، وتأكيد استقلالية القرار المصري.. في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.
وكذلك، لا يمكن إغفال أن هذه التحركات، قد تكون جزءًا من استباق آثار محتملة.. للتشدد الأمريكي في الملف التجاري والجمركي – خاصة – في ظل ما يُتداول حول عقوبات أو تعرفات، تستهدف شركاء واشنطن التجاريين، مما يجعل تعزيز العلاقات مع كافة العواصم الخليجية.. ضرورة استراتيجية، وليست مجرد رغبة في الدعم.
رسالة للغرب: مصر ليست وحيدة
بعد كل هذا، تحمل الزيارة رسائل سياسية واضحة للعواصم الغربية، مفادها: أن مصر – رغم التحديات – ما تزال لاعبًا محوريًا في المنطقة، وتحظى بثقة ودعم شركاء الخليج، وهو ما يُفترض أن يُؤخذ في الاعتبار.. عند التعامل مع الملفات المصرية الشائكة؛ وعلى رأسها قضايا حقوق الإنسان، والمعتقلين السياسيين.
ختاما : ما وراء الابتسامات الرسمية
الابتسامات أمام الكاميرات، والبيانات الرسمية الرقيقة، لا تُخفي حقيقة أن الزيارة… جاءت في لحظة سياسية دقيقة، وفي إطار هندسة معقدة.. للواقع المصري والعلاقات الإقليمية. إنها ليست زيارة عادية، بل تحرّك تكتيكي محسوب، يُعبّر عن محاولة مصرية.. لإعادة التمركز، وفتح نوافذ جديدة.. في جدران الأزمة المتعددة.
قد تكون هذه الجولة.. بداية لنهج جديد في السياسة الخارجية المصرية، عنوانه: تنويع الحلفاء، وتعديل البوصلة.. قبل أن تهب العاصفة.
… هذا ما سوف تثبته الايام القادمة.

*قيادى في حزب العمال البريطاني.

شارك هذه المقالة