Times of Egypt

قراءة سريعة لدلالات العدوان الإسرائيلي على قطر

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

أحمد يوسف أحمد

لا بد – بدايةً – من الاعتذار للقارئ الكريم.. عن تغيير موضوع هذه المقالة، الذي كان المفروض أن يكون تتمةً لمقالة الأسبوع الماضي بعنوان «المواجهة الحتمية». فقد فاجأني العدوان الإسرائيلي على قطر، بينما كنت أضع اللمسات الأخيرة على الجزء الثاني من المقالة، ووجدت أن هذا الحدث الاستثنائي لا يمكن أن ينتظر لأكثر من أسبوع.. لدلالاته الخطيرة، فعلى الرغم من أن هذا العدوان – من حيث خسائره المادية والبشرية – لا يمكن مقارنته بالجرائم الإسرائيلية الممتدة لقرابة سنتين، إلا أنه في تقديري يمثل عملاً غير مسبوق في إدارة الصراعات. وهو كذلك، لأنه لأول مرة يقوم طرف في صراع ما.. يتفاوض مع خصمه، بمحاولة اغتيال هذا الخصم.. أثناء وجوده في ضيافة أحد الوسطاء الرئيسيين في المفاوضات. والأدهى والأمر، أن وفد حماس الذي جرت محاولة اغتياله كان يتفاوض على ورقة مقدمة من الرئيس الأمريكي.. لإنهاء الصراع؛ وفق ما يدعي. وهي ورقة أعلن ترامب أن إسرائيل قبلتها، وأن الكرة الآن في ملعب حماس.. مع التهديدات المتكررة لها بسوء المآل إن لم تقبلها.

 ولقد كان واضحاً للغاية.. أن «حماس» قد قبلت – من حيث المبدأ – التفاوض على أساس الورقة، وإن كان المتوقع بطبيعة الحال.. أن تكون لها شروط تتعلق بالضمانات، حيث ظهر من التسريبات حول نص الورقة، أن حماس ستكون مطالبةً – من اليوم الأول – بالإفراج عن كل الرهائن وجثث القتلى منهم، مقابل مجرد التفاوض على إنهاء الحرب، وإدخال المساعدات، وإعادة الإعمار.. بضمانات من ترامب شخصياً! فما الذي يعنيه إذاً.. العدوان الإسرائيلي على وفد حماس في الدوحة؟

لا شك في أن أول معنى يتبادر إلى الأذهان أن هذا العدوان يؤكد مجدداً.. أن نتنياهو غير راغب في أي اتفاق مع حماس. وقد تأكد هذا التوجه عبر محطات عديدة، منها انتهاك إسرائيل اتفاقي هدنة مع حماس؛ أولهما: في 24 نوفمبر 2023 – أي بعد نحو شهر ونصف شهر من بدء المواجهة الناجمة عن عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023 – الذي لم يدم لأكثر من أسبوع. والثاني: في 15 يناير 2025 (دخل حيز التنفيذ في 19 يناير)، وانتهكته إسرائيل بعد شهرين.. في 18 مارس، فضلاً عن تعمد نتنياهو فتح جبهات جديدة لإبقاء الصراع متأججاً، كما في عدوانه على إيران في يونيو الماضي، وأخيراً رفض إسرائيل التعليق على قبول حماس مقترح الوسيطين المصري والقطري، الذي هو مبني في الأساس على مقترح ويتكوف مبعوث ترامب، وانقلاب إسرائيل على نهج ويتكوف أصلاً.. بالمطالبة باتفاق شامل، يتضمن الإفراج عن جميع الرهائن وجثث من توفي منهم، دون تقديم أي مقابل للمقاومة. 

غير أن هذا كله في كفة، وأن تعتدي إسرائيل على الوفد الذي يتفاوض على ورقة مقدمة من الرئيس الأمريكي.. في كفة أخرى، وهو ما ينقلنا للدلالة الثانية للعدوان الإسرائيلي على قطر، وتتعلق بالعلاقة الأمريكية-الإسرائيلية.

ولا شك أن الانحياز الأمريكي الصارخ لإسرائيل منذ نشأتها.. بات من المسلمات، وإن أضاف ترامب لمساته الخاصة لهذا الانحياز.. في ولايته الأولى، التي انطوت على نقلة نوعية في الدعم الأمريكي لإسرائيل باعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وشرعية الاستيطان، وضم الجولان. وفي بداية ولاية ترامب الثانية.. بدأ عدد من المؤشرات يتراكم على احتمال وجود اختلاف في وجهات النظر بين ترامب ونتنياهو.

 وتتابعت هذه المؤشرات – منذ مارس الماضي – الذي تم فيه تدشين اتصالات أمريكية مباشرة مع حماس، وشهد أبريل على التوالي مؤشرين آخرين؛ هما نصيحة ترامب لنتنياهو علناً في البيت الأبيض.. بأن يحل مشاكله مع الرئيس التركي بعقلانية، وبدء المفاوضات النووية مع إيران؛ وهو ما لم تكن إسرائيل تريده. وفي 6 مايو، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين.. بموجب اتفاق لم يلزمهم بوقف ضرباتهم لإسرائيل. وفي 28 مايو أعلن ترامب أنه حذر نتنياهو من شن ضربة عسكرية ضد إيران، لأنها قد تعرقل جهود التوصل لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي. 

غير أن كل هذه المؤشرات تبخرت.. مع العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو، أي بعد أكثر قليلاً من نصف شهر على تحذير ترامب. والأخطر، أن ترامب تباهى بأنه كان قد علم بتوقيت العدوان، بل واختتمه بقيامه بضرب المفاعل النووي الإيراني في فوردو.. الأمر الذي فتح الباب واسعاً للحديث عن تواطؤ أمريكي-إسرائيلي أكيد، في ضرب المنشآت النووية الإيرانية. فهل تكرر التواطؤ في العدوان الإسرائيلي على قطر؟

في هذه المرة، لم يجرؤ البيت الأبيض على الاعتراف بأن ترامب.. كان على علم بالعدوان، فوفقاً للبيان الركيك – الذي أذاعته المتحدثة باسمه – فإن ترامب أُخطر بالهجوم من الجيش الأمريكي، وأنه وجه ويتكوف على الفور.. لإبلاغ قطر بالهجوم الوشيك. واعتبر البيان أن القصف لا يخدم أهداف إسرائيل.. ولا أمريكا، وأظهر الأسف لوقوع الهجوم على دولة ذات سيادة، وحليف وثيق للولايات المتحدة، لكن القضاء على حماس هدف مهم. وأكد أن هذا العمل لن يتكرر على الأراضي القطرية. والأعجب، أنه اعتبر أن هذا الحادث – الذي وصفه بالمؤسف – يمكن أن يكون فرصةً للسلام في أقرب وقت! 

ودعا أمير قطر – في مكالمة هاتفية معه – لمواصلة جهوده في الوساطة، والخلاصة.. أن ترامب ينكر علمه بالعدوان على دولة حليفة، وهو ما يعني أن إسرائيل تستخف به، ويعطي شرعيةً لقتل قادة حماس، وإن كان يأسف لفعل ذلك في قطر، وهو لا يدين العدوان مع ذلك، ويستخف بعقولنا.. بالقول إن ما سماه بالحادث، يمكن أن يكون فرصةً للسلام! 

مشكلة هؤلاء الناس.. أنهم بلا ذاكرة، فهم ينسون كيف أدى سكوتهم عن حماية حلفائهم من دول الخليج العربية.. ضد هجمات الحوثيين، إلى تحولات مهمة في السياسات الخارجية لهذه الدول، فهل نستوعب جميعاً دلالات هذا الحدث الخطير؟

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة