أمينة خيري
اسمحوا لي أن نقرأ هذا المقال المنشور هنا منذ سنوات؛ إذ لم تتم مواجهة الظاهرة السخيفة والقبيحة.. بعد، بل تفاقمت وتوغلت.
منذ أطلت الكاميرا برأسها في داخل قاعات العزاء، وتشييع من رحلوا عنا، وأنا أشعر بأسى شديد.. لكل من المصور، ومن يجري تصويرهم. الفكرة غير موفقة، ولكنها تظل اختياراً شخصياً لأصحاب المناسبة. لا أعلم الغرض أو الهدف، ولكن أكرر.. هو اختيار أصحاب العزاء أو الجنازة، ولذلك هم أحرار. لكن الأمر تطور، وأصبحت كاميرات الهواتف المحمولة سمة جنازات وعزاءات المشاهير، لا سيما من أهل الفن.
مع هذا التطور، لم يعد القرار لأهل المتوفى، بل للقائمين على مهنة الإعلام. أقول القائمين على المهنة، لا العاملين فيها. مديري يبلغني بأن أركض نحو جنازة الفنانة فلانة، أو عزاء الفنان فلان.. لأصور ما يقدرني عليه ربنا؛ من فساتين الفنانات، واللقاء الفاتر بين الفنان فلان والفنان علان.. بعد خلافهما حول ترتيب وضع اسميهما على أفيش مسلسل رمضان، وكيف مرت الفنانة الفلانة أمام الفنان علان.. طليقها، ولم تبادله السلام… إلخ. أتصور أن هذا المدير- بإيعاز ربما من المدير الأعلى منه – يبلغ شباب الصحفيين والصحفيات (لن تجد صحفياً خاض تجربة الصحافة الحقيقية، يخوض مضمار تصوير فستان الفنانة.. في عزاء الفنان) بأن يركزوا على اللقطات التي من شأنها.. أن تضرب في «التريند».
ومع تزايد الإقبال «الإعلامي» على هذا النوع من التريند، تفاقم أعداد الشباب والشابات – من حاملي الموبايلات – في وجوه المعزين والمعزيات. كما اشتعلت المنافسة؛ فالصحفي الشاب فلان.. تمكَن من التقاط مقطع للفنان الفلاني.. وهو يعامل «الصحفيين» بطريق سيئة، أو ينهرهم لتكالبهم في الأحزان. والصحفية الشابة فلانة.. نجحت في تصوير فستان الفنانة الشابة المدندش، أو تمكنت من تسجيل حديث خافت بين فنانتين.. وهما تتحدثان عن شيء ما. ومثل هذه «الخبطات الصحفية»، تشعل نار الغيرة «المهنية»، وتؤجج الصراع على مداخل «القرافة»، وعلى أبواب دور المناسبات.
ويا ويل يا سواد ليل الفنان.. لو تجهَم أمام عدسة الموبايل، أو تجرأ وأبدى امتعاضاً.. لهذا التوجه المزري الكريه الدميم المعيب في عالم الصحافة والإعلام. الصحفيون الشباب – الملوحون بالكاميرات غصباً وعدواناً وإجباراً في وجوه المعزين – ضحايا، لم يتواجدوا في هذا المكان باختيارهم، ولكن خضوعاً للتريند وقرارات فوقية في المؤسسات.
قبل سنوات، كتبت كثيراً عن تصوير الجنازات، ومنها: «الهواتف المحمولة أثناء الجنازات والعزاءات أمر مثير للغثيان. حين يتحول الصحفي إلى جلاد.. يستخدم كاميرا الموبايل لجلد المعزين، وسلخ الفنانين، وتتبُّع خطوات المشاركين.. لتقييم درجات الحزن على المرحوم، وأزياء الفنانات.. بغرض نشرها للسلخ العام. وإذا لم يفعل.. فإنه لم يعد صحفياً.
ويبقى المتهم الأول.. من أقنعه بأن تصوير الجنازة عمل صحفي.
رجاء التوقف عن تصوير الجنازات. ورغم أن بعض من يصورونها ليسوا مقيدين في نقابة الصحفيين، ولكن على النقابة أن تتدخل لوقف، أو على الأقل تقليل، هذه المهزلة القبيحة».
نقلاً عن «المصري اليوم»