Times of Egypt

في حب زياد الرحباني

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار

وُلد في 1 يناير 1956، وهو فنان، ملحن، مسرحي، كاتب، سياسي، موسيقي، قدَّم تمثيليات ومسرحيات سياسية للواقع اللبناني الحزين بفكاهة. سياسياً.. هو ماركسي وعضو في الحزب الشيوعي اللبناني.

هو الابن البكر للموسيقار عاصي الرحباني، والفنانة الشهيرة فيروز. الأب عاصي والعم منصور شكلا فريق مسرح لبنانياً منذ الخمسينيات، كان له تواجد مهم في لبنان وفي العالم العربي وفي مهرجان بعلبك.

درس في جبل لبنان، ثم درس الموسيقى بشكل غير أكاديمي، وعكف على التأليف بمجهود ذاتي، وتأثر بموسيقى أبيه وعمه، وموسيقى الجاز الأمريكية.

نشر زياد في سن مبكرة نصوصاً شعرية.. بعنوان «صديقي الله»، وكان عمره 12 عاماً، وقام بتلحين أول عمل له «ضلك حبيبتي يا لوزية». وفي عام 1973 كان عمره 17 عاماً قام بتلحين أول أغنية لأمه.. حين مرض أبوه، وكتب منصور العم أغنية تعبر عن غياب الأب، فكانت الأغنية التي تصدح فى أذن وعقل ووجدان كل من يتحدث العربية، وهي أغنية «سألوني الناس».

وقام بالتمثيل على المسرح أمام والدته.. في عدة مسرحيات، وتلحين مقدمة مسرحية «المحطة»، وكتب مسرحية غنائية – من تأليفه وتلحينه – اسمها «سهرية». قام بتغيير أسلوبه المسرحي إلى المسرح السياسي، خاصة في أجواء الحرب الأهلية اللبنانية، وأصبح الفنان الأهم في هذه الفترة.

وانخرط زياد مع الحزب الشيوعي اللبناني، وقال إن مجزرة تل الزعتر هي الدافع الرئيسي لانتقاله إلى بيروت الغربية. وكان يدعم المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان مؤيداً للقضية الفلسطينية، وأشهر أنه ملحد، وهو أمر نادر في المجتمع اللبناني.

وكان زياد نشطاً في الكتابة الصحفية بجرأة، وقدَّم أغنيات بصوته.. بالإضافة إلى ما قدَّمه لفيروز، ومن أشهر أغانيه لفيروز «سلملي عليه» و«سألوني الناس»، ومن أشهر أغانيه «أنا مش كافر»:

أنا مش كافر

بس الجوع كافر

أنا مش كافر

بس المرض كافر

أنا مش كافر

بس الفقر والذل كافر

أنا مش كافر

لكن شو بعملك إذا اجتمعوا فيِّ

كل الإشياء الكافرين

… الحزن يخيم على لبنان، بعد أن رحل صوت بيروت الثائر، وقد ودَّعته الحكومة – ممثلة في رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء – والعائلة.. ممثلة في الأم فيروز، وحضور شعبي جارف. وحضر الجنازة حازم شاهين، الموسيقار المصري وصديق زياد، الذي سافر فور علمه بالخبر لحضور الجنازة.

موقف زياد من الأديان.. معلن، ولكن الجنازة خرجت من الكنيسة، وتمت الصلاة عليه فيها، ولم يتحدث أحد عن عدم إيمانه، وإنما تحدث الجميع عن ألحانه.

زار زياد مصر عدة مرات، وقابل الفنانين المصريين، وظهر في التليفزيون المصري، وكان له تأثير كبير على غناء الجاز في مصر. 

لم يلتفت المصريون كثيراً إلى فلسفته في الحياة وأفكاره السياسية، واهتموا فقط بالجانب الفني. شعبية زياد رحباني طاغية.. لأنها تغطي جموع الناس المختلفين في الميول والأفكار، فهناك من يحب موسيقاه وألحانه وأغانيه، وهناك من يحب كتاباته، وهناك من يحب أفكاره وآراءه السياسية، وهناك من يتفق مع مواقفه. في النهاية الجميع يحب زياد، وكل يحبه لسبب مختلف. 

ومن كلماته قوله: «في ناس بينهم وبين الفهم.. سوء فهم». وقال: «الوطن مش مطار بنروح ونرجع عليه، الوطن شيء بيمشي معنا وين ما رحنا».

كتبت الصديقة المصرية العزيزة ريم عوني أبوزيد عن زياد: كان لي الحظ أني قابلته مرة واحدة زمان.. قبل الثورة، وسمعته بيتكلم، وبعدها صممت أتصور معاه، قربت منه وحسيته أخويا، حد قريب جداً مني، قربت منه وقلت له إنه مهم بالنسبة لي فضحك، وكان حقي قلت له إنه مهم جداً جداً، مهم لدرجة إنه – في رحلة الكتابة – بقى هو العين اللي بشوف بيها لبنان، هو اللي عرَّفني على لبنان وتفاصيلها، وخلاني جزء منها. هاتوحشني جداً يا زياد. رحمة ونور ومزيكا في رحلتك الجديدة.

وفي الكنيسة وضعت فيروز لابنها.. باقة من الزهور على نعشه، وكتب عليها عبارة: «ودعتك الله يا زياد». هذه العبارة تعبر عن مشاعر الحزن والألم.. التي شعرت بها فيروز في تلك اللحظة الصعبة.

وعلق الروائي المصري الكبير إبراهيم عبدالمجيد: هذا الإجماع على الحب العظيم لزياد الرحباني، وهذه الحشود العظيمة في جنازته.. تقول: يبقى الفن وتذهب الطوائف. هل يفهم أحد؟

وكتب نبيل بومنصف – في جريدة «النهار» اللبنانية – «ليست مغالاة.. إن قلنا إنه – في تاريخ السير الفنية والرموز العملاقة للفن اللبناني العابر إلى عوالم العرب والعالمية – لم يشهد هذا التاريخ.. من يشبه ظاهرة زياد الرحبانى». ثم يقول: «لم يشهد التاريخ اللبناني مثل زياد الرحباني.. بعقيدته اليسارية، يجمع معها مزاج الشخص العابس، وما أحدثه في عمق الواقع السياسي والطائفي والحزبي.. منذ صار رمز مدرسته الفنية؛ بشخصه، وكونه.. ابن عاصي وفيروز».

وفي عزاء زياد نظم الشاعر المصري أمين حداد قصيدة اخترت منها:

لما تروح بيروت

تلقى زياد موجود

تلقاه في جميع الناس

وصْلَه ما بين الناس

روح الناس وأغاني الناس

وزياد بيعيش وبيموت

ويعيش ويموت

وتروح بيروت

تلقاه قاعد وسط الناس

لقد كنت من المعجبين بزياد الرحباني.. من ناحية فنه المركب، الذي جمع الموسيقى والغناء والشعر والكتابة.. مع مواقف إنسانية وسياسية شجاعة، ولكنني لم أتوقع ما حدث في مصر عند رحيله، لقد اهتزت مصر كلها.. حزناً عليه، وتحدث الجميع، وكتب الكتاب، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بزياد.. وفنه وعظمته. لقد كان احتفال مصر – الشعبية والفنية – بزياد، احتفالاً كبيراً بقيمة عظيمة.

تم تقديم زياد كفنان ساخر، ولكنه – في الحقيقة – فيلسوف وسياسي، كانت عنده قدرة على استشراف المستقبل.

(قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك)

■ ■ ■

شكراً لمحافظ القاهرة على اتصاله التليفوني

اتصل بي المحافظ د. إبراهيم صابر مباشرة بدون سكرتارية. 

وبلطف وذوق شديدين، تحدث عن مقال القاهرة الخديوية. وطمأنني أنه لا يوجد مشروع تطوير خليجي الآن، وأن المحافظة مهتمة بالحفاظ على الطراز المعماري، وأي تطوير سوف يتم حسب قواعد الحفاظ على المباني الأثرية. أشكر المحافظ على اهتمامه بالرد، ولغته الراقية.. والعلمية في الحديث.

أرجو أن يكون في مصر مسؤولون كثيرون على هذا المستوى.

نقلاًعن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة