عبدالله عبدالسلام
المقولة الدارجة تقول: «الناس على دين ملوكهم». ويمكن تطبيقها – بسهولة ودون تجاوز – على المبعوثين الأمريكيين الذين يجوبون الشرق الأوسط حالياً، ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة.. بدعوى حل الأزمات. هؤلاء المبعوثون على دين رئيسهم ترامب. يتصرفون مثله.. بعنجهية وغرور وفظاظة.
الملياردير ورجل العقارات توم برّاك – سفير أمريكا لدى تركيا، ومبعوثها في سوريا ولبنان – وقف أمام الصحفيين، في قصر الرئاسة اللبناني، وتصرف ليس كدبلوماسي، بل كمندوب سامٍ استعماري.. ينتمي للقرن 19؛ تماماً كاللورد كرومر. تسابق الصحفيون اللبنانيون لتوجيه أسئلة إليه، فوجدها فرصة – ليس فقط لتأديبهم وتعليمهم شيئاً – من فضائل «الحضارة الأمريكية»، بل أيضاً لتعليم المنطقة بأكملها.. كيف تتصرف وتحل مشاكلها.
براك قال للصحفيين: «انتظروا. سنضع مجموعة مختلفة من القواعد. في اللحظة التي يتحول الأمر فيها إلى فوضى، والتصرف بطريقة حيوانية، سنرحل. إذا أردتم معرفة ما جرى، تصرفوا بتحضر ولطف وتسامح، لأن هذه هي المشكلة فيما يحدث في المنطقة».
لم يكن يوجه حديثه فقط لمندوبي الصحف اللبنانية، بل لشعوب وحكومات المنطقة كلها.
لم يفكر – ولو للحظة – في أن هذا عادة يحدث في المؤتمرات الصحفية. كل صحفي يريد توجيه سؤال، فيحدث نوع من الهرج. جرى ذلك مراراً في أمريكا.. وأمام ترامب نفسه. إلا أن المبعوث «المتحضر» أراد أن «يفلسف» ذلك التصرف العفوي، ويفسر به سلوك الشعوب العربية، ويعلمهم ويحاضرهم.. عن السلوك الحضاري، بدلاً من التصرفات «الحيوانية».
اغتال المبعوث الأمريكي الصحفيين اللبنانيين معنوياً.. بإهانتهم واتهامهم بالحيوانية، بعد أن صمتت إدارته على قتل إسرائيل الصحفيين الفلسطينيين؛ ربما لأنها تعتبرهم همجاً ومتخلفين وفوضويين وغير متحضرين.
هل يمكن لشخصية عنصرية ومغرورة، تتصرف بعيداً عن أصول الدبلوماسية.. حل أزمات المنطقة؟ إنه نفس الغرور الذي يجعل ترامب يثق في قدرته.. على تسوية مشاكل العالم في يوم واحد، أو خلال اجتماع مع هذا الزعيم أو ذاك. المؤسف في الأمر، أن رد فعل السلطات اللبنانية كان «بارداً» – حتى لا نقول شيئاً آخر – فلم تجرؤ على ذكر اسمه.. بل «أحد الموفدين».
الرئاسة اللبنانية اعتذرت – في بيان لها – عما جرى، وليس هو. أما الصحفيون الذين حضروا المؤتمر فلم يُصدر منهم رد فعل فوري، ولم يغادر أحد منهم القاعة. مع أن الموقف كان يستدعي تصرفا.. على غرار ما فعل الصحفي العراقي منتظر الزيدي مع بوش الابن عام 2008، عندما قذفه بحذائه. ما دام برّاك يصف الصحفيين بالحيوانية، كان ضروريا معاملته بهذه الطريقة.
كلام المبعوث الأمريكي عن الصحفيين، يكشف طريقة التعامل الرسمي الأمريكي مع المنطقة العربية.. تحديداً. تريد إدارة ترامب وضع مجموعة مختلفة من القواعد.. لتسوية الأزمات على طريقتها. ومن يتأمل تصريحات ترامب ومساعديه يدرك.. ليس فقط مدى الانحياز لإسرائيل، بل – وهو الأخطر – النظر بدونية وتحقير لشعوب المنطقة.
عندما يكرر ترامب دعوته إسرائيل لإنهاء مهمتها في غزة بأسرع وقت، يثور التساؤل: هل هناك أدنى احترام للفلسطينيين الأبرياء؟ وهل يعتبرهم أصلا بشراً؟
السياسة الأمريكية – برئيسها ودبلوماسييها – عادت بالمنطقة 150 عاما إلى الوراء.. الغرب المتحضر والشرق المتخلف.
لكن بعض العرب لا يدركون ذلك.
نقلاً عن «المصري اليوم»