عبدالله عبدالسلام
خلال متابعتي للأنشطة واللقاءات والأحاديث الكثيرة عن تطوير الإعلام، لا أعرف لماذا ألحت على ذهني وظيفة «المطوِّر العقاري»، الذي يتولى مسؤولية التطوير العقاري بالكامل، بدءاً من فكرة المشروع ودراسة الجدوى والتمويل، وصولاً إلى التصميم والتنفيذ والتسويق والبيع النهائي للمشروع. يقوم المطوِّر العقاري – طبقاً لتعريف الذكاء الاصطناعي له – بتحويل الأراضي أو المباني القائمة إلى مشاريع عقارية حديثة متكاملة، مما يضيف قيمة للاقتصاد ويخلق فرصاً للعمل جديدة.
هل ما نقوم به حالياً من نقاشات، يستهدف شيئاً شبيهاً بذلك.. مع الأخذ في الاعتبار الفارق بين العقارات والصحافة والإعلام؟
المطوِّر العقاري يحدد بدقة هدفه، والجدول الزمني للتنفيذ، فهل لدينا هدف محدد للتطوير؟ أم أن الأمر لا يعدو – كما لاحظنا من النقاشات؛ سواء التلفزيونية وفي الصحف أو البيانات الصادرة عن الاجتماعات الرسمية – أهدافاً وغايات عامة، من الصعب تحويلها إلى خطط عمل دقيقة، يتم تنفيذها خلال مراحل زمنية محددة، وتنتهي بمخرجات يمكن الحكم عليها إيجاباً أو سلباً؟
لم أقرأ – أو أعلم – عن وجود دراسات علمية محددة، وليس مجرد نقاشات، ولم يتم تكليف جهات بحثية موثوق بها.. لإجراء الدراسات أو عمل استطلاعات، تستكشف ماذا يريد القارئ والمشاهد والمتلقي من التطوير.
المطروح حتى الآن، ملاحظات وتقييمات وخواطر، ومقترحات فردية.. من الصعب أن يجمع بينها مقترح شامل، كونها شديدة التباين في الرؤى والأهداف.
الأهم، أن حديث التطوير تجنَّب – حتى الآن – مناقشة الجوانب المادية، وكأنَّ الإعلام والصحافة مشروع خيري، لا يجب تلويثه بتلك الجوانب، مع أن القاعدة التي يسير عليها العالم.. هي أنه لا إعلام جيد بدون إنفاق جيد؛ فالتطوير يتطلب تدريب القائم بالاتصال – سواء كان صحفياً أو إعلامياً – وهذا يحتاج أموالاً. التطوير يسعى إلى الحصول على جهد ووقت أكبر.. من الصحفي والإعلامي، لتنفيذ الأهداف المطلوبة. وهذا يعني ضرورة زيادة الدخل الهزيل للصحفي. ويتطلب كذلك إغراء العناصر المبدعة بالمشاركة، وهذه لها «حساب خاص».
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية – في التسعينيات – غيَّرت عدة رؤساء للتحرير.. لتراجع التوزيع، وعندما اشترتها شركة أيرلندية، اتفقت مع رئيس التحرير الجديد على خطة للتطوير، وأعطته ميزانية محددة، على أن تحاسبه بعد عام. هل زاد التوزيع أم تراجع؟
غالبية مؤسساتنا الصحفية والإعلامية.. لا همَّ لها حالياً سوى دفع مرتبات العاملين، وهي تستعين بـ«جهات صديقة» للوفاء بذلك. ليست هناك مخصصات في هذه الصحف.. للتدريب وتحديث الأجهزة، وإرسال الصحفيين للتغطية الصحفية بالخارج. أصبح ذلك ترفاً لا نقدر عليه. تقريباً، ليس هناك مراسلون مصريون لصحفنا وإعلامنا في النقاط الساخنة بالعالم.
كيف سيأتي التميز، ما دمنا نعتمد جميعاً على مصدر واحد.. وكالات الأنباء العالمية؟
الإعلام والصحافة رسالة.. بالتأكيد، لكنهما أيضاً صناعة، كما كان يقول أستاذ الصحافة الرائد خليل صابات (1919-2001).
من الجيد النقاش حول تطوير الرسالة الإعلامية.. لتلبية احتياجات القارئ والمتلقي، وليس الدولة فقط. لكن استبعاد تطوير الصناعة ذاتها، وجعلها قادرة على «المشي».. بدلاً من السير على عكازين، لا يقل أهمية.
وهنا، نحتاج إلى مطوِّرين إعلاميين، وصحفيين حقيقيين، وليس فقط مجرد خبراء.. بعيدين عن الواقع.
نقلاً عن «المصري اليوم»