Times of Egypt

فوضى الانتخابات ليست مبرراً لإهدار الدستور

M.Adam
زياد بهاء الدين 

زياد بهاء الدين

لم يكن في نيتي الرجوع لموضوع الانتخابات البرلمانية، اكتفاء بما كتبته من قبل. ولكن الأحداث فرضت نفسها، وعلى رأسها أحكام المحكمة الإدارية العليا.. بإبطال التصويت في المزيد من دوائر المرحلة الأولى، حتى بلغت 48 من مجموع 70 دائرة فردية. والحقيقة أن رجوعي لهذا الموضوع.. ليس من باب التحسر على الديمقراطية المفقودة، فهذه قضية تحتاج لنقاش مطوَّل، خاصة مع تراجع الممارسات الديمقراطية في العالم. والذي يشغلني.. هو الفوضى التي أحاطت بالعملية الانتخابية بأكملها.

للأسف، لا أجد غير تعبير «الفوضى».. لوصف ما جرى خلال الأسابيع الماضية، بدءاً من التجاوزات التي دفعت السيد رئيس الجمهورية للتدخل بالتوجيه، مروراً بالأداء المضطرب للهيئة المشرفة على الانتخابات، والتصريحات المتبادلة بين مختلف الجهات.. حول من يتحمل المسؤولية، والصراعات المعلنة بين أحزاب.. محسوبة كلها على الدولة، واتهامات بالتزوير والرشاوى والمحسوبية.. لا يكاد أحد ينكرها، أو يتخذ حيالها إجراء، وصولاً إلى أحكام القضاء الإداري المدوية.. التي كشفت الغطاء عن حجم التخبط.

لا أتجاهل أن الانتخابات عندنا – كما في بلدان كثيرة – قد تشوبها بعض المخالفات هنا وهناك، «تسويد» بطاقات، و«حشو» صناديق، ودفع أموال. أما في الدول المتقدمة فقد صار التلاعب إلكترونياً وإعلامياً، ووراءه أموال طائلة، وأجهزة استخبارات أجنبية. مع ذلك فإن ما شهدناه في الأسابيع الماضية تجاوز المخالفات المألوفة؛ لأنه عبَّر عن مشكلة مؤسسية أكثر عمقاً.

السبب ليس – كما يقال – سطوة المال والنفوذ، فهذه أعراض لا مسببات. أصل الأزمة هو الإطار القانوني المعيب للانتخابات، خاصة نظام القوائم المطلقة.. الذي يلغي دور الناخبين، وانحسار العمل الحزبي المستقل، وعدم احترام أحكام الدستور الضامنة لحرية العمل السياسي، والصراع بين الجهات المختلفة.. الراغبة في أن تكون مراكز نفوذ سياسية.

ماذا نفعل إذن للخروج من هذا المأزق؟

هناك اتجاهان مطروحان على الساحة؛ الأول: والذي أرى أن الدولة تتبناه ضمنياً، هو إعادة التصويت في الدوائر الملغاة، واستكمال العملية الانتخابية.. بشكل أو بآخر. أما الاتجاه الثاني: فهو التمسك بموقف أكثر حسماً، مثل المطالبة بإعادة الانتخابات بأكملها.

ومع انحيازي لانتخابات نزيهة ومعبِّرة عن إرادة الشعب، إلا أنني – وقد يدهشكم ذلك – أميل لترجيح الاتجاه الأول، أي التصحيح والضبط.. الذي يسمح باستكمال تشكيل البرلمان، ثم العمل بعد ذلك على تبني أجندة الإصلاح السياسي. ويدفعني لهذا اعتباران..

الأول: أنه طالما بقينا في ظل قانون القائمة المطلقة المعيب، فلا جدوى من إعادة الانتخابات.. لأنها لن تسفر عن تحسن يُذكر، بعد أن أفسد هذا النظام الانتخابي الحياة النيابية، بما فيها التنافس على المقاعد الفردية.

وأما الاعتبار الثاني: فهو أنني أستشعر – في ثنايا الحديث عن فشل العملية الانتخابية – من يرددون ذلك، ليس للدفاع عن الديمقراطية والحياة النيابية السليمة، بل تربصاً بالدستور والبرلمان، وبفكرة المشاركة الشعبية من الأصل. وأخشى أن يجري استغلال هذا الموقف.. للعبث بالدستور وإهدار مكانته، وللمزيد من إفساد صورة الأحزاب والعمل السياسي في أذهان الناس. وهذا آخر ما نحتاجه الآن.

دعونا نخرج من هذه الورطة، ونتعامل مع البرلمان القادم.. أياً كان تشكيله. 

والأهم، أن يظل الإصلاح السياسي والنيابي محل إجماع.. بين كل من تهمهم مصلحة البلد.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة