أحيا الفلسطينيون الخميس ذكرى النكبة التي فقدوا خلالها أراضيهم بعد حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل، وذلك في وقت أدت فيه العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة إلى نزوح مئات الآلاف مجددا.
والنكبة من بين التجارب التي رسمت واقع الفلسطينيين لأكثر من 75 عاما، وساعدت في تشكيل هويتهم الوطنية وأثرت على علاقتهم المتأزمة مع إسرائيل منذ ذلك الوقت.
واكتسبت الذكرى أهمية زائدة بسبب الحرب في غزة والحملة التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ عدة أشهر على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية حيث يعيش مئات الآلاف من نسل الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم في 1948.
ودمرت الحرب مساحات شاسعة من غزة وأجبرت معظم سكان القطاع، البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص، على النزوح عدة مرات والعيش بالخيام أو المنازل التي تعرضت للقصف وغيرها من الملاجئ المؤقتة.
وقالت بدرية محارب، التي عاصرت النكبة حين كانت طفلة وفرت عائلتها آنذاك من منزلها في مدينة يافا الساحلية قرب تل أبيب للقدوم إلى غزة “كل الحروب اللي صارت، ما صار زي الحرب هاده”.
ويحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة يوم 15 مايو أيار من كل عام، وهو اليوم الذي اندلعت فيه حرب عام 1948، عندما هاجمت دول عربية إسرائيل بعد يوم واحد من إعلان قيام الدولة الجديدة عقب انسحاب القوات البريطانية مما كانت تسمى آنذاك فلسطين.
واستمرت المعارك لعدة أشهر وأودت بحياة الآلاف، مع فرار أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم أو طردهم من قرى فيما أصبحت الآن إسرائيل، وفر معظمهم إلى مخيمات مؤقتة مثل تلك التي يسكنها الآن النازحون في غزة.
وقالت بدرية وهي تجلس أمام أنقاض منزلها في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حيث انتقلت للعيش بعد زواجها إن اثنين من أحفادها قتلا، وإن كل ما تملكه فقدته.
وأضافت “اتدمرت الناس”.
وبدأت الحملة التي تشنها إسرائيل على غزة بعد هجوم قادته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على بلدات في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، وهي واحدة من أطول الحملات الإسرائيلية وبكل تأكيد أكثرها دموية، إذ جعلت جزءا كبيرا من قطاع غزة غير صالح للسكن تقريبا.
وتحدث المتشددون في الحكومة الإسرائيلية علانية عن الاستيلاء على القطاع بأكمله بدفعة من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى منتجع ساحلي.
وبعد اتفاق لوقف إطلاق النار استمر لمدة شهرين، استأنفت إسرائيل حملتها في غزة في مارس آذار، مما أدى إلى محاصرة السكان في منطقة آخذة في التضاؤل مطلة على الساحل وفي المنطقة المحيطة بخان يونس مع تقدم قواتها من مناطق الحدود.
وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية إلى أن 70 بالمئة من قطاع غزة أصبح الآن ضمن المناطق الأمنية المحظورة التي أقيمت على طول أطراف القطاع أو في المناطق التي أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرات لسكانها بالإخلاء. ونزح أكثر من 436 ألف شخص منذ شهر مارس آذار.
- الضفة الغربية
يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية أيضا ضغوطا متزايدة مع اضطرار عشرات الألوف إلى مغادرة منازلهم بسبب عنف المستوطنين الإسرائيليين والعمليات العسكرية في المدن الشمالية مثل جنين وطولكرم.
وقال الفلسطيني مصطفى أبو عواد (88 عاما) واصفا رحيله في عجالة من مخيم نور شمس للاجئين قرب طولكرم في يناير كانون الثاني “ما طلعت سوى غيارين، بس، على أمل أنه يومين ثلاثة أربعة، هلأ صار لي 105 أيام طالع من الدار”.
وأضاف “باتنقل من منطقة لمنطقة… يعني كل أسبوع (أو) 10 أيام بننتقل من مطرح لمطرح”.
ودخل الجيش المنطقة في يناير كانون الثاني في عملية واسعة النطاق قال إنها تهدف إلى استئصال جماعات مسلحة تمركزت في مخيمات اللاجئين، التي تحولت إلى بلدات حضرية مزدحمة.
ومنذ ذلك الحين، يواصل الجيش الإسرائيلي تدمير المنازل والطرق والبنية الأساسية بشكل منهجي في أطول عملية تشهدها الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية قبل 20 عاما.
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 40 ألف شخص في الضفة الغربية منذ بدء العملية، وهو وضع يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه ربما يصل إلى مستوى التهجير القسري الذي تعرفه المحكمة الجنائية الدولية بأنه جريمة ضد الإنسانية.
وبعد نزوح السكان، تحول مخيما جنين وطولكرم إلى بلدتي أشباح بلا كهرباء أو مياه أو أي بنية تحتية أخرى، مما يجعل من العسير على أي شخص العودة إليهما.