Times of Egypt

عودة إلى كتابات موشي دايان

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

أعيد قراءة بعض المصادر المتصلة بالصراع العربي-الإسرائيلي، وخاصة ما يتصل مباشرة بعلاقات مصر والدولة الصهيونية. ومن أهم تلك المصادر.. مذكرات موشي دايان، وكتابه الآخر.. الذي عنوانه «اختراق.. رؤية شخصية للمباحثات المصرية-الإسرائيلية»، وكلا الكتابين مترجم في سلسلة كتب مترجمة.. التي أصدرتها الهيئة العامة للاستعلامات. وقد أهدى موشي دايان كتابه الثاني.. بعبارة هي «إلى جنود إسرائيل.. من سقط منهم في ساحة القتال، ومن لا يزال على قيد الحياة». 

وقبل أن أستطرد في الكتابة.. عما توقفت أمامه طويلاً في ذلك المصدر، أود أن أشير إلى أن ما كتبته الأسبوع الفائت في هذه المساحة، عن ضرورة تشديد العقوبة لجرائم بعينها، أجدها في نظري من فئة الخيانة العظمى، ومنها تجارة وتصنيع المخدرات، والإهمال المستهتر.. المصحوب بالتعاطي، والمؤدي لقتل وإصابة الخلق، وتدمير منشآت، وغلق طرق، وشل الحركة فيها، وأيضاً الرشوة.. وعلى رأسها المال المدفوع نقداً وعيناً.. في الانتخابات، ومن نتائجه منع وصول الأكفاء.. إلى المواقع التي تحتاجهم، وغيرها؛ قد وجد ما سطرته ردوداً وتعليقات كثيفة، كان أكثرها تكراراً.. هو سؤال استنكاري فحواه: إن سلطة تشريعية، قد يتسلل إليها أو يهمن عليها تلك الفئة.. لا يمكن أن تتصدى لما طالبت به. وبمعنى آخر، أراد المعقبون أن يقولوا للكاتب: أنت واهمٌ، أو حالم مغترب عن الواقع. ولذلك ربما تكون لي عودة للموضوع.

ثم أنتقل لما وددت الحديث عنه، وورد في مصدر إسرائيلي – هو كتاب موشي دايان عن رؤيته الشخصية للمباحثات المصرية-الإسرائيلية – ففي الترجمة العربية للكتاب، تتكرر استعادة موشي دايان لوقائع وأحداث.. تضمنها العهد القديم – أي التوراة – فمثلاً هو يتحدث عن الطيارين المقاتلي،ن الذين تحولوا لطيارين مدنيين، وعن الكيبوتسيم، وأبناء الموشاقيم – التجمعات السكانية الأولى للمهاجرين – الذين لعبوا الدور الريادي في بناء مستعمرات ديجاينا.. في وادي الأردن، وبإحلال وكفار يوشع وعيون حارود.. في وادي عزرائيل، ثم يصف جهودهم وكدحهم وإصرارهم، وكيف يدفعه ذلك إلى مزيد من تأمل العهد القديم، والعودة إليه بطريقة آلية.. للتفكر في الملك شاؤول، الذي استمر في حرث حقوله بيديه.. حتى بعد أن تُوج ملكاً.. 

«شاؤول التراجيدي، الذي لم يكف النبي صامويل عن توبيخه، بينما لم يكف الملك قط ..عن محاربة أعداء إسرائيل، حتى آخر يوم من حياته، ويا له من يوم أخير.. إنه هو الذي قام خلال حكمه.. بتحريم السحر والعرافين، ذهب سراً إلى ساحرة أندور الليلة السابقة، لتتنبأ له وبماذا ستكون عليه نتيجة المعركة مع الفلسطينيين.. على جبل جيفع في الصباح؟». 

ثم نقرأ ما كتبه موشي دايان في صفحة 240 – من الطبعة المترجمة للعربية – عن الكتب التي يضعها إلى جانب فراشه في الفندق الأمريكي، الذي كان يقيم فيه أثناء المفاوضات مع الوفدين الأمريكي والمصري: «كان إلى جانب فراشي ثلاثة كتب عبرية.. العهد المقدس، وأطلس العهد القديم (بقلم الأستاذين يوحنا أهاروني ومايكل إيفي يونس)، ومجموعة قصائد ناثان ألترمان. وكان الأطلس يساعدني على وضع الأحداث التي وردت في العهد القديم.. في إطارها الجغرافي. إنني على معرفة بجغرافية إسرائيل، ولكن من يعرف – على سبيل المثال – أين تقع صخرة ايتام على وجه الدقة؟ وأين لجأ شمشون.. عندما سعى رجال يهوذا بجدية في أثره، لتسليمه إلى الفلستين؟ وماذا كانت حدود ممالك شاؤول وداود، أو الطريق الذي سلكه أبناء إسرائيل.. عند خروجهم من مصر عبر سيناء، حتى استيلائهم على أريحا؟ إن المواقع التي حددها أهاروني وإيفي يونس.. ربما يتجادل حولها علماء التاريخ والآثار، ولكنها تبدو لي معقولة، وأستطيع – بتوجيهاتهم – أن أتسلق تلاً أو أعبر وادياً، وأشعر بأنني أسير على نفس أقدام أجدادي. إنني أحب قراءة العهد القديم.. ليس فقط بسبب السحر الكامن في لغته، وليس بسبب كلماته المكتوبة، ولكن بسبب الصور التي تنبثق من بين السطور.. أنماط حياة وإيمان الإسرائيليين، عندما كانوا يعيشون فوق أراضيهم، ويختلطون بجيرانهم. شمشون الذي حارب الفلسطينيين القدماء.. منذ فجر شبابه حتى مماته، إلا أنه كان يسعى دائماً إلى صحبتهم، واختار زوجة له امرأة من تمينا.. من بنات الفلسطينيين، وعندما قتلها أهلها أنفسهم، وانتقم لها شمشون، ذهب إلى غزة.. قلب بلد العدو، ليقضي وقتاً مع بغي فلسطينية، ثم وقع بعد ذلك في غرام دليلة – امرأة فلسطينية من وادي شوربك – التي ألقت به في أيدي أعدائه.. كان هذا الرجل الذي بدأ في إنقاذ إسرائيل من الفلسطينيين، وحكم شعبه لمدة عشرين عاماً». 

وهناك بقية لاقتباسات موشي دايان.. من العهد القديم وجغرافيته. وهذا أمر أتوقف عنده طويلاً وعميقاً، لأجد أن رجوع الإرهابي النازي نتنياهو للعهد القديم، وتهديدنا بما جاء فيه.. ليس أمراً جديداً، فها هو موشي دايان فعلها من قبله، وأظنهم جميعاً يفعلونها، ليصبح السؤال عن البُعد الديني في الصراع.. سؤالاً محورياً ومهماً، لأننا – على جانبنا – طالما حاولنا التركيز على أنه صراع بين استعمار استيطاني عنصري إبادي، وبين تحرر وطني.. يريد تخليص أرضه من الاحتلال، وإنقاذ شعبه من الظلم والقتل والاضطهاد، بل والابادة، وأن اعتماد البُعد والأساس الديني في هذا الصراع، سيرتد علينا ليمزقنا ويفتتنا.. على أسس دينية طائفية ومذهبية؟! 

إنه سؤال يحتدم أكثر، عندما نضيف معتقدات المسيحية الأمريكية الصهيونية، ولا بد من بذل جهد عقلي فكري وتاريخي.. للإجابة عنه.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة