Times of Egypt

عن العراق ومقولة «الحضن العربي»

M.Adam
نيفين مسعد

نيفين مسعد

قبل أسبوع، انعقدت في العاصمة العراقية بغداد.. القمة العربية العادية الرابعة والثلاثون، والقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية العادية الخامسة. ومع أن هذه ليست هي القمة العربية الأولى.. التي يستضيفها العراق – وهو صاحب دور كبير في تأسيس جامعة الدول العربية.. قبل ثمانين عاماً – إلا أنها كانت تحمل أهمية خاصة بالنسبة للعراق.. لأسباب كثيرة.

أحد هذه الأسباب، أن القمة تنعقد على أرض العراق بعد تخلصه من كابوس الإرهاب اللعين، وعودة الاستقرار الأمني والسياسي إلى بلاد الرافدين. وبالتالي، كانت القمة فرصة لتغيير الصورة الذهنية السلبية عن العراق.. كساحة لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية. كما يأتي انعقاد القمة، ليؤكد التوازن الذي حققته السياسة الخارجية العراقية.. في علاقاتها العربية والإقليمية، وهو توازن بدأت إرهاصاته الأولى في ظل حكومة عادل عبد المهدي في عام 2018، ثم أخذت مظاهره تتتالى بعد ذلك.. وصولاً إلى قيام العراق بدور الوسيط من أجل عودة العلاقات السعودية-الإيرانية.. في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، ثم لتخفيف التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.. في ظل الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شيّاع السوداني.

يشير هذا، إلى أن القمة تمثل شاهداً على ورشة العمل التنموية الضخمة.. التي يعاصرها العراق في كل المجالات تقريباً، وهي ورشة تفتخر مصر بأنها تشارك فيها بدور فعّال، خصوصاً في مجال البنية التحتية، وحالياً يجري إنشاء «مدينة الورد»، وهي مدينة متكاملة شرق بغداد، من المقرر أن تكون على غرار مدينة 6 أكتوبر المصرية، وتتولى مسؤولية تنفيذ المشروع إحدى الشركات المصرية الكبيرة، ومن خلال عدة مراحل، تتوزع على عشر سنوات كاملة.

واجه انعقاد قمة بغداد، عدداً من التحديات.. هددت في الحد الأدنى بتأجيله، وفي الحد الأقصى.. بعدم عقد القمة كليةً، وهي تحديات اختلطت فيها العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية. اعتبر البعض أن انعقاد اللقاء غير الرسمي في الرياض، والقمة العربية الطارئة في القاهرة.. سحبا البساط من تحت أقدام قمة بغداد، على الرغم من أن كلتا المناسبتين كانتا مخصَّصتين للقضية الفلسطينية حصراً.. وبشكل أكثر تحديداً؛ لتأكيد رفض مخطط التهجير الإسرائيلي لسكان غزة والضفة الغربية.

كما لم تحُل هاتان المناسبتان.. دون تصدُّر القضية الفلسطينية قمة بغداد، وحملت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة قوية؛ تؤكد أنه لا سلام في المنطقة.. دون قيام دولة فلسطينية، حتى لو طبَّعت إسرائيل علاقاتها مع كافة الدول العربية. 

كانت تلك الرسالة، تحمل رداً على ما أخذ يتردد.. عن إمكانية تطبيع علاقات إسرائيل مع سوريا، بعد أن طلب ذلك صراحةً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. من أحمد الشرع – رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا – أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية، هذا.. فضلاً عما ذهب إليه البعض، من إمكان أن يقوم لبنان بتطبيع مماثل لعلاقاته مع إسرائيل. 

كما تمخّضت القمة العربية الأخيرة عن مبادرة عراقية.. تتمثّل في تكوين صندوق التضامن العربي، لدعم الإعمار في كل من غزة ولبنان، ومساهمة العراق فيه بمبلغ 40 مليون دولار.

مؤدَّى ما سبق، أنه لا لقاء الرياض ولا قمة القاهرة.. قلَّصا الاهتمام بالقضية الفلسطينية في قمة بغداد، بل إن بالمساحة التي احتلتها هذه القضية – سواء في كلمات القادة العرب وضيوفهم، أو في البيان الختامي للقمة – كانت هي الأكبر.. مقارنةً بالقضايا السياسية والاقتصادية الأخرى.

من جهة أخرى، دخلَت قضية تنظيم القمة – وبشكل مبكِّر – في المعركة الانتخابية البرلمانية، التي تجهِّز القوى السياسية العراقية لخوضها.. في شهر نوفمبر المقبل. وذلك على أساس أن النجاح في تنظيم القمة، يمكن أن يسهم في تعزيز فرص رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني.. في الاحتفاظ بمنصبه؛ بما يمثل تهديداً للقوى الطامحة لخلافته. ومن هنا تعالت بعض الأصوات – التي تشكِّك في المواقف العربية من العراق – سواء بعد إسقاط نظام صدام حسين في 2003، أو بعد وقوع مدينة الموصل في يد تنظيم داعش في عام 2014.

ومع ذلك نجحَت حكومة «السوداني» في تنظيم القمة العربية، وبدرجة عالية من الكفاءة والانضباط، وتمكَّنت حكومته من تغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن العراق، وربطَت افتتاح القمة.. بتدشين فندقين ضخمين، على أحدث طراز معماري؛ لاستقبال الوفود المشاركة، كما حدث عند افتتاح فندق فلسطين بالإسكندرية، في مناسبة انعقاد القمة العربية في سبتمبر 1964.

أما الأثر الأهم، فإنه يتمثل في بروز العاصمة العراقية بغداد.. كصانعة للقرار العربي «لا كضيف على الطاولة».. على حد تعبير أحد كبار الصحفيين العراقيين.

وفي نفس السياق، تجدر الإشارة إلى أنه كان قد سبق انعقاد القمة العربية الأخيرة.. استضافة العراق مؤتمر البرلمانات العربية في شهر أبريل الماضي، كما قام العراق بتنظيم القمة التنموية الخامسة.. في نفس اليوم الذي انتهت فيه أعمال القمة العربية، ونظّم مؤتمراً آخر حاشداً للإعلام العربي.. بعد ثلاثة أيام فقط من هذا التاريخ.

وبالتالي، وعلى الرغم من كثرة ما قيل حول الانخفاض الملحوظ في مستوى تمثيل الملوك والرؤساء العرب.. في القمة العربية الرابعة والثلاثين، إلا أن «السوداني» نجح في مهمته. كما أن التأويلات السياسية لزيارة إسماعيل قاآني – قائد الحرس الثوري الإيراني – إلى بغداد.. عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب، لم تحُل دون طرح العراق العديد من المبادرات، التي تشمل مروحة واسعة جداً من مجالات العمل العربي المشترك؛ تبدأ بالمجال الغذائي، وتنتهي بالمجال الأمني، وتمر بمجالات الثقافة والبيئة والذكاء الاصطناعي.

أما كون هذه المبادرات.. سوف تجد طريقها للتطبيق أم لا، فهذه مسؤولية كافة الدول العربية، وللعراق مصلحة أكيدة في إنجازها؛ خاصةً وهو يترأس مؤسسة القمة العربية لمدة عام، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لمدة أربعة أعوام.

لا يرتاح العراقيون كثيراً إلى القول.. إن العراق عاد إلى الحضن العربي، ففي رأيهم أن العرب هم الذين نأوا بأنفسهم عن احتضان العراق، وباعدوا بينهم وبينه، لكن أياً ما كان التعبير المستخدم.. فمن المؤكد أن تطوراً جديداً شهدته العلاقات العراقية-العربية، وهو تطوُّر إيجابي يحتاج إلى المزيد من البناء عليه.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة