زاهي حواس
كشف الإنجليزي هيوارد كارتر مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون.. في 4 نوفمبر عام 1922. وإلى يومنا هذا، وعلى الرغم من مرور أكثر من 100 عام على اكتشاف المقبرة وكنوزها، فلا يزال هذا الكشف هو الأضخم.. بين كل الاكتشافات الأثرية في العالم. وكان من المفترض أن يعشق المصريون هيوارد كارتر، وأن يصنعوا له تمثالاً.. تكريماً لجهوده في الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون، وجعل اسم مصر يتردد في كل مكان بالعالم. لكن الذي حدث، هو أن المصريين كرهوا هيوارد كارتر، وخرجوا في مظاهرات تنادي بطرده من مصر، وحماية كنز توت عنخ آمون. وسرعان ما قامت الحكومة المصرية بغلق المقبرة ووقفه عن العمل. وقبل أن يتهم أحد المصريين بأنهم ظلموا هيوارد كارتر، علينا ذكر الحقائق التالية:
1 – قام هيوارد كارتر، ومموِّل الحفائر اللورد كارنارفون، ومعهما الكونتيسة ألمينا ابنة اللورد.. بالدخول إلى المقبرة سراً، قبل الإعلان عن الكشف.. وكأن المقبرة عُثر عليها في لندن، وليست على أرض مصرية.. بها حكومة وشعب، له كل الحق في معرفة ما يحدث على أرضه!
2 – بعد الإعلان عن الكشف مباشرةً، قام كارتر بسرقة بعض القطع الصغيرة.. التي أهدى بعضها في حياته، وبيعت الأخرى بعد وفاته. كما قام هو واللورد كارنارفون بمطالبة الحكومة المصرية بنصف آثار المقبرة.. بدعوى أنها ليست مقبرة ملكية سليمة، وبعد أن مات اللورد (بعد الكشف بعدة أشهر) زعم كارتر أن ورثة اللورد لهم الحق في نصف آثار توت عنخ آمون.. تعويضاً عن المبالغ الكبيرة التي صرفها اللورد على الكشف!
3 – والغريب، أن اللورد – قبل موته – كان قد باع حقوق الإعلان ونشر أخبار الكشف إلى جريدة لندن «تايمز».. وقبض الثمن، وكان على المصريين ترجمة ما يُنشر في الصحيفة الانجليزية.. لمعرفة ماذا يجري بالمقبرة. بل والأدهى من ذلك، بدأ اللورد يوزِّع الوعود على المتاحف الأجنبية؛ وخاصةً المتحف البريطاني ومتحف المتروبوليتان.. بمنحهم بعض آثار توت عنخ آمون! وكأنه ورث هذه الكنوز عن أمه أو أبيه!
4 – تمادى كارتر في أفعاله الشنيعة، فبدأ يسمح لضيوفه بزيارة المقبرة، ويمنع كبار موظفي الحكومة المصرية من زيارتها.. وكأنه صاحب المقبرة، وكأن مصر لا تملك كنوز فرعونها توت عنخ آمون! فما كان من الحكومة المصرية إلا أن قامت بغلق المقبرة وطرد كارتر، ليقوم هو وابنة اللورد برفع دعاوى قضائية ضد الحكومة المصرية، ويقوما بعمل توكيل لجورج مرزباخ بك المحامي – نائباً عنهما – ليدافع عما يعتقدان بأنه حقهما في كنز توت عنخ آمون. وبالمناسبة جورج مرزباخ المحامي هو مؤسس نادي قصر النيل (الزمالك حالياً).
5 – بعد جولة لإلقاء عدد من المحاضرات في أمريكا وأوروبا، جمع منها مبلغاً كبيراً من المال، (بفضل توت عنخ آمون).. عاد كارتر إلى مصر في يناير 1925، بعدما تقدم هو والكونتيسة بطلب تسوية مع الحكومة المصرية، تقضي بقيامهما بالتنازل عن كل القضايا المرفوعة ضد مصر، والكف عن المطالبة بقسمة كنوز المقبرة، وذلك في مقابل سماح الحكومة المصرية له بالعمل مرة أخرى، وتعويض الكونتيسة مالياً.
وإليكم جزءاً مما كتبه كارتر في هذا الشأن: «اسمحوا لي أن أعرض على معاليكم بأن الكونتيسة كارنارفون.. ستكون ممتنةً لمعاليكم، إذا منحتموها الإذن باستئناف العمل.. بموجب الشروط التي تم إبلاغها بها…… وستجعل من واجبها التنازل عن أي إجراء أو مطالبة أو ادعاء.. مهما كان؛ سواء فيما يتعلق بمقبرة توت عنخ آمون والآثار المكتشفة بها…».
6 – تم الاتفاق، ومنحت الحكومة المصرية ابنة كارنارفون مبلغ 35 ألفا و867 جنيهاً إسترلينياً، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت، ولم تضيع حكومة مصر الوقت في مناقشات حول كم من المال، وما حققت عائلة اللورد من العقود الحصرية التي منحها لجرائد إنجليزية، أو كم من المال حقق كارتر نفسه من محاضراته في أمريكا وأوروبا عن اكتشافه لتوت عنخ آمون.
كانت الحكومة تدرك أن بقاء كنز توت عنخ آمون في مصر، أهم بكثير من كل أموال وذهب العالم. وكانت محقةً بالطبع في ذلك.
نعود إلى كارتر – الذي ناله ما يقرب من ربع مبلغ التعويض من الكونتيسة، مكافأةً له على ولائه للورد وعائلته – فقد توفي في منزله بلندن في 2 مارس عام 1935.. من مضاعفات مرض السرطان، وكان قد بلغ من العمر 65 عاماً. وتم دفنه في جبانة «بونتي فالي» في لندن، ولم يحضر جنازته أحد من علماء الآثار!
حقاً نجحت مصر في حماية توت عنخ آمون، والوقوف ضد الرغبات الاستعمارية القميئة.. لشخص لم ينل أي تعليم جامعي في حياته، ومع ذلك.. لم يخجل من وصف نفسه بعالم الآثار! بل وضع نفسه نداً أمام بلد كمصر.. بشعبها وحكومتها، لكن تبقى كلمة حق، أننا نتحمل نصيباً كبيراً مما حدث، لأننا سمحنا بأن يقوم المستعمرون بالحفر في بلادنا ونهب كنوزنا.
والأدهى، أنهم هم من كانوا يقترحون القوانين المنظمة لإدارة الآثار في بلادنا! هذا ولا يزال هناك من يتساءل.. كيف خرجت كل تلك الكنوز من بلادنا؟!
نقلاً عن «المصري اليوم«