Times of Egypt

عناد الثيران.. سيرة الناس الحلوة! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

«أتعرف ما الذي جعلني أستمر ولا أيأس؟».. سأل نجيب محفوظ نفسه – في حوار مع الناقد الراحل فؤاد دوارة.. قبل 60 عاماً – ثم أجاب: «اعتبرتُ الفن حياة لا مهنة؛ فحينما تعتبره مهنة، لا تستطيع إلا أن تشغل بالك بانتظار الثمرة، أما أنا فقد حصرت اهتمامي بالإنتاج نفسه، وليس بما وراء الإنتاج. كنت أكتب وأكتب؛ لا على أمل أن ألفت النظر إلى كتاباتي.. ذات يوم. بل كنت أكتب، وأنا مُعتقد أني سأظل على هذه الحال دائماً.. أتعرف عناد الثيران، إنه خير وصف للحالة النفسية التى كنت أعمل بتأثيرها». 

اختار الكاتب والشاعر إبراهيم داوود.. تعبير محفوظ العبقري هذا: «عناد الثيران»، عنواناً لكتابه عن «سيرة الناس الحلوة».. مِلح الثقافة والأدب والفن في مصر. مبدعون يدفعهم هذا العناد إلى تشييد الذاكرة المصرية.. بالحكايات والشعر والرسم والفنون الأخرى. ولا ينتظرون شيئاً نظير ما يفعلونه. هناك مَن يحاربهم ويتجاهل سعيهم، بينما هم يواصلون إبداعهم بعيداً عن الإضاءة. 

يكتب داوود عنهم.. بحب وامتنان وتقدير. يُعيد تقديمهم للقارئ، كاشفاً عن جوانب مختلفة من إبداعهم وإنسانيتهم وبساطتهم. يشدد على دورهم وقيمتهم، وأخذهم بأيادي تلاميذهم. تتلمذ المؤلف على عدد منهم وصادقهم، لذا تشعر بالصدق والتعاطف. يكتب عن الناقد الراحل عبدالفتاح الجمل.. الذي بشَّر بأجمل كُتاب زمنه.. الغيطاني والأبنودي وأصلان والبساطي وخيري شلبي وغيرهم: «ترك حديقة كاملة.. في قلب كل واحد أسعده الحظ واقترب منه». ويصف صلاح عيسى: «كاتب ومؤرخ نادر وجورنالجي صاحب كرامات في المهنة». أما الأديب سعيد الكفراوي، فيقول عنه: «رغم أناقته المعهودة وسفرياته الكثيرة، يُشعرك أنه قادم للتو من قريته كفر حجازي بالمحلة الكبرى. المودة والحميمية وصفاء النبرة.. جعلته قريباً من الجميع». 

يكتب أيضاً عن النقاد الكبار: مصطفى ناصف وعبدالقادر القط ومحمد عبدالمطلب، الذي يُبدي ملاحظة على النقد الأدبي عندنا قائلاً: «تجد الناقد يتسلم رواية اليوم ويناقشها غداً، كيف!؟ تقاليد النقد اختفت».  

يُبحر الكتاب بك في نهر الفن.. بمبدعيه، الذين ننساهم أو نقلل من قيمتهم. إنها ظاهرة محيرة.. العظماء بالنسبة لنا – في أى مجال – واحد أو اثنان فقط؛ في الأدب والثقافة.. طه حسين والعقاد، وفي الغناء.. أم كلثوم وعبدالوهاب، وهكذا. مع أن بستان الفن مليء بمبدعين كبار، توقف المؤلف عند بعضهم؛ أمثال الشيخ علي محمود.. المؤسِّس العظيم، الذي أخذ بيد نجوم التلاوة، وعلى رأسهم الشيخ محمد رفعت، وتتلمذ على يديه زكريا أحمد وعبدالوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وغيرهم. منهم أيضاً داوود عبدالسيد وسمير العصفوري وسعيد صالح وعمار الشريعي وعازف العود الرائع، عبده داغر، الذي يصفه «داوود» بأنه: «عنوان لمصر المدهشة الطيبة الموهوبة المكافِحة». 

مصر المدهشة.. مليئة بالمبدعين في شتى المجالات، الذين يعيشون في المدن والريف والمدن الساحلية والصحراء. يذهبون إلى وظائفهم، ويتزوجون، ويعمّرُون الأرض بأبنائهم. هؤلاء الذين لا يعرف القارئ الكثير عنهم. هم الكنز الكبير الذي ندخره لصناعة التاريخ. هكذا يؤمن المؤلف، وأشاركه إيمانه. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة