Times of Egypt

عقل بوتين وتسونامي ترامب (1-2) 

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص 
 

(1) 

«ألكسندر دوجين: عقل بوتين» 

عقل بوتين، صفة ارتبطت بعالم «الجيوبوليتيكا» الروسي «ألكسندر دوجين» (65 عاماً). ويُعد «ألكسندر دوجين».. أحد العقول الاستراتيجية الفذة في عصرنا الحالي، وإليه يعود الفضل في صياغة الرؤية الاستراتيجية لروسيا.. منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. 

تلك الرؤية – التي تلقفها «بوتين»، وفعَّلها على مستويي الجغرافيا والسياسة – ما جعل روسيا  مجدداً.. رقماً فاعلاً في المعادلة الدولية، وأعاد لها قدراً من التماسك، بعد الانهيار الذي طالها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي. 

وربما نكون أول من لفت النظر إلى هذا الرجل.. في دراسة مبكرة حول «إطلالة على التحولات الكونية النوعية الراهنة والمستقبلية: روسيا والصين نموذجاً»، قمنا بإعدادها في عام 2013؛ حيث اكتشفنا أن كلمة السر لفهم الشأن الروسي هي: ألكسندر دوجين.  

فقد أشارت كل محركات البحث إليه.. باعتباره المُنظر والاستراتيجي لروسيا بوتين.  

بدايةً عمل الرجل.. أستاذاً لعلم الاجتماع السياسي بجامعة موسكو. ثم كان ظهوره اللافت.. عندما عمل مستشاراً للبرلمان الروسي خلال سنوات 1998ــ 2003، فرئيساً لخبراء الجيوبوليتيكا (الجغرافيا السياسية).. التابع للمجلس الاستشاري المتخصص في شؤون الأمن القومي (في رئاسة مجلس النواب الروسي «الدوما»). 

كما أسس للأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العسكرية الروسية.. قسماً خاصاً لتدريس «الجيوبوليتيكا الأوراسية» (نسبة لقارتي أوروبا وآسيا، حيث إن مساحة روسيا تبلغ 17 مليون كيلومترًا مربعًا، وهي الأكبر على الإطلاق بنحو الضعف.. من أكبر ثلاث دول في العالم، وهي الولايات المتحدة، وكندا، والصين، حيث مساحة كل منها أقل من 10 ملايين كيلو متر مربع. وتنفرد روسيا – بين سائر الدول – بكونها موزعة بين قارتين.. هما: آسيا وأوروبا أو «أوراسيا»…). وتدور كل مجلدات الرجل الدراسية حول التنظير لمستقبل روسيا الجيوبوليتيكي. 

(2) 

«دوجين ونظرية الأوراسية لتجديد الإمبراطورية القومية الروسية» 

ساهم «ألكسندر دوجين».. في أن تتعافى روسيا من تداعيات تفكيك الاتحاد السوفيتي، وإعادتها بقوة إلى الحلبة الدولية. ومن ثم تعظيم الجغرافيا والسياسة والحضارة؛ انطلاقاً من مبدأ مستلهم من الوجدان القومي الروسي، والذاكرة الوطنية الروسية.. مفاده أنه: لا معنى لروسيا بدون إمبراطورية. (عرفت روسيا إمبراطوريتين: القيصرية، فالسوفيتية). 

في ضوء هذين المقومين: أولاً: الإمبراطورية، وثانياً: الأوراسية، انطلق يفصل مشروعه لتجديد العودة الروسية إلى المسرح العالمي.. من سؤال أساس هو: ما هي ملامح روسيا الإمبراطورية الأوراسية؟ ثم تفرعت منه الأسئلة التالية: ما مصالحها القومية العليا؟ وما استراتيجياتها لتأمين وتحقيق هذه المصالح؟.. وما الذي لدى روسيا، ليمكنها من السلوك الإمبراطوري الأوراسي، والتمدد خارجها إلى العالم.. من موارد مادية وطبيعية ومعنوية؟  

أو بلغة أخرى، ما هي الطاقة الكامنة لروسيا؟  

وتمت دراسة ما يلي: النمط الاقتصادي الذي يجب أن يطبق، والتركيبة الصناعية، وجيوبوليتيكا الداخل والخارج، والمصالح الإثنية، والبنية العسكرية، وكيفية التقدم التكنولوجي.  

هكذا انطلقت روسيا الأوراسية: السلافية، الأرثوذكسية – في إطار «الإمبراطورية» – كوحدة حضارية وسياسية؛ باعتبارها: الصيغة الوحيدة للوجود اللائق والطبيعي.. للشعب الروسي. وذلك بفضل «دوجين» والتيار الذي يمثله. 

(3) 

«تسونامي أيديولوجي وجيوسياسي» 

تحت هذا العنوان، نشر «ألكسندر دوجين» دراسة غاية في الأهمية – عشية حفل تنصيب الرئيس الأمريكي السابع والأربعين دونالد ترامب – اعتمدنا على النص الإنجليزي الصادر في 18 يناير الماضي). 

ينطلق «دوجين» في دراسته.. من فكرة مفادها أن ولاية ترامب الرئاسية الثانية، تختلف جذرياً عن ولايته الأولى. وأن المرحلة الانتقالية بين الإدارتين، سوف تشهد انقلابات جذرية في التوجهات الاستراتيجية، والسياسات والخيارات.. سيكون لها تأثيرات مُخلخلة كثيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.. ما دفع «دوجين» إلى وصف الخلخلة الترامبية المتوقعة، بأنها ستكون بمثابة: «تسونامي أيديولوجي وجيوسياسي Ideological&Geopolitical Tsunami»، فصَّل «دوجين» الأفكار المكثفة – التي تناولتها الدراسة – بالترتيب التالي: الدولة العميقة، وتاريخ الصعود الأمريكي. و«صموئيل هانتيجتون» ودعوته في تسعينيات القرن الماضي إلى تصويب الوجهة. وترامب والدولة العميقة. وفقدان بايدن لثقة الدولة العميقة. والدولة العميقة تعيد ترتيب قائمة أولوياتها. كما يرصد «دوجين» كيف يؤسس ترامب.. لما أطلق عليه «ما بعد الليبرالية» ورفض العولمة. كذلك رصد «عقل بوتين ألكسندر دوجين» كل ما تضاده الترامبية، إذ إنها ضد: ما بات يُعرف بتيار اليقظة أو Anti Woke، والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واليسار الليبرالي، وما بعد الحداثة. 

ويشرح «دوجين» الخلفية الفكرية.. التي ينطلق منها ترامب، بأنها عودة مجدداً لأفكار «هايك»، بعد أن استغرقت الولايات المتحدة الأمريكية لوقت تحت أفكار الثري «جورج سوروس».. تلميذ كارل بوبر. وبعد أن يفرد «دوجين» جانباً من دراسته ليشرح مضمون ما أطلق عليه «الترامبية»، يقوم باستعراض الانقسامات الداخلية للترامبية، ثم المواقف الدولية للترامبية، عبر الانحياز لإسرائيل والحيلولة دون انقسامها. والجغرافيا السياسية للترامبية. وتفكيك أوروبا المعولمة، وكيف يتبنى مواقف مضادة لكل من: الصين، واللاتين. وأخيراً موقفه المعقد من التعددية القطبية.  

نفصل في مقال الأسبوع القادم.. مضمون ما جاء في أطروحة «ألكسندر دوجين» المهمة والعميقة. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة