أمينة خيري
يرفع الكوكب حالياً – والمنطقة التي نعيش فيها في القلب من هذا الكوكب – راية «عقلك في راسك، تعرف خلاصك». لا أتذكر عبر دراسة العلوم السياسية لسبع سنوات، وبعدها عمل قارب على الثلاثة عقود.. لم يخلُ يوماً من أطياف السياسة، وتفاصيل حياة يومية تضعك في مرمى السياسة.. شئت أو أبيت، أن شهدت العالم «كاشف وشه» السياسي والأمني والاستراتيجي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني بهذا الشكل.
يبدو أن مراحل «حوار الحضارات» و«التسامح بين الأديان» و«سد الفجوات» و«وأد الخلافات» و«رأب الصدع» و«متحدون في التنوع» و«نحن مختلفون لكن متساوون» وغيرها.. ولَّت وأدبرت لحين إشعار آخر. وحلَّت محلَّها «صراع الحضارات» و«التصادم بين الأديان» و«توسيع الفجوات» و«إيقاظ الخلافات» و«بحبحة الصدع» و«متحدون من أجل هيمنة نوع واحد»، و«نحن مختلفون وسنعمل على المزيد من الاختلاف».
التمسك بتلابيب رومانسية النظريات، ومثالية الأفكار، والعالم الوردي.. الذي تزقزق فيه العصافير وتزدهر فيه الزهور والرياحين، ويعيش الناس فيه فلا تسمع أصوات صياح أو جدال، فقط صوت أجنحتهم الملائكية وهى تحتك ببعضها هو نوع من أنواع الانتحار. الأمم الكبرى – وتلك التي تطمح أن تكون كبرى – ترفع راية «عقلك في راسك تعرف خلاصك».. بشكل واضح وصريح.
وعلينا أن ننضم لهم. وليس المقصود بالانضمام التخلي عن القيم، أو التضحية بالمبادئ، أو التخلص من الأصالة والجدعنة والشهامة والنخوة.. إلى آخر ما يمثله المجتمع والثقافة والتاريخ، والشعب المصري.. على مر مئات السنوات.
كل المطلوب.. أن نجتهد أكثر قليلاً، ونبذل كل ما يمكن بذله، لفهم ما يجري حولنا حقاً؛ لا عبر حسابات جماعات الإسلام السياسي.. سواء الحقيقية أو غير الحقيقية أو تلك التي يقوم عليها مؤمنون بأفكارها، أو متعاطفون معها أو غيرهم. كل المطلوب توليفة من التثقيف الذاتي: بعض التاريخ.. من مصادر متعددة، مضاف إليه قدر من التحليل.. متعدد المصادر، ولو تيسَّر الاطلاع على ما تخرج به مراكز فكر وبحث.. متناقضة التوجهات ومتعددة الأيديولوجيات، كفيلة بأن تخبرنا بأن ما يحدث حولنا.. لا يمكن فصله عن سياقات تاريخية واقتصادية وأمنية ومصالح، وأن حكاية الصبغة الدينية، وتحويل الصراع.. إلى حرب بين جبهة مؤمنين تقف على هذه الضفة، وجبهة مؤمنين تقف على الضفة المقابلة، وأن كلاً من الجبهتين تعتبر الأخرى جبهة كفار، وأنه بقدر روعة «العلاقات الأخوية بين البلدين» (أي بلدين) و«عمق الروابط بين الشعبين» (أي شعبين) و«أواصر الصلة بين الكتلتين» وغيرها، إلا أن العالم لا يُدار طبقاً لقواعد هذه الروعة، ولم يكن يُدار يوماً بها.
الفرق الوحيد هو طبقة الزينة السكرية أو Frosting التي أُزيلت.
وبمناسبة هذه الكلمات، أقول إنه كان علينا أن نبدأ شرح وترويج وتسويق وتعريف والتثقيف بموقف مصر، ودورها مساء يوم 7 أكتوبر عام 2023، ولكن بعيداً عن لغة الإنشاء ولهجة العواطف.. التي لا تعني شيئاً، حين تتم ترجمتها إلى لغات أخرى. وسجل مصر لا يحتاج اصطناعاً أو كذباً أو تزييناً، فقط يحتاج تسويقاً حقيقياً.
نقلاً عن «المصري اليوم»