أمينة خيري
الملاحظ أن العديد من تدوينات السوشيال ميديا هذه الأيام، تبدأ بصيغة الخطاب «عزيزي المغفل»، ثم يمضي المستخدم قدماً: «لو كنت تعتقد أن دولة كذا.. كانت ستنتصر في المواجهة الحالية، فأنت مغفل وجاهل وسطحي وعميل». اللطيف أن دولة «كذا» تكون تارة إيران، وأخرى إسرائيل، وثالثة أمريكا، ورابعة حركة أو جماعة فلسطينية.. بمعنى آخر «عزيزي المغفل» هو الجميع في كل الأحوال.
الملاحظ أيضاً، أن كم الاعتقاد بامتلاك المعرفة اليقينية، والمعنى الحقيقي لما يدور حولنا.. مذهل. أقول: «الاعتقاد» بامتلاك المعرفة، لا المعرفة. ليس الكم وحده المذهل. لكن الكيف؛ حيث يسود اعتقاد بعمق هذه المعرفة، ومتانتها وعدم قابليتها للزحزحة.
أقول – وأجري على الله – إن هذا الاعتقاد، وهذا الشعور بالغ الفوقية.. بأن ما يعرفه الشخص – أو ما يؤمن به، أو ما يعتقده – هو وحده اليقين، اتضح أنه لا يتوقف عند حدود المستخدمين العاديين؛ ممن يتخذون من منصات السوشيال ميديا ملجأً لتمضية الوقت، أو وسيلة للترفيه، أو ساحة لبناء العضلات، بل يمتد إلى أسماء وشخصيات.. تقدم نفسها باعتبارها «باحثاً في شؤون الحركات»، و«خبيراً في ملف إيران»، و«متخصصاً في الشأن الإسرائيلي».. والقائمة تطول.
التعبير عن الرأي ليس عيباً، لكن الرأي يختلف كثيراً عن الواقع. وحين تتخذ طريقة التعبير.. منهج «عزيزي المغفل»، بمعنى أن الآخرين – ممن يعبرون عن آراء تختلف عن رأي حضرتكم – هم بالضرورة مغفلون، فإن هذا يعني أن الغفلة واسعة الانتشار. وأظن أنه – بعد سلسلة الأحداث في الساعات القليلة الماضية – على من يرى في نفسه «العالم ببواطن الأمور»، وغيره.. مغفلين، ومن ثم عليه أن يراجع نفسه، أو على الأقل يراجع منهجه في طريقة مخاطبته.. لمن يختلفون عنه في الرأي والتقييم والتحليل، أو من ينهلون الرأي والتقييم والتحليل من آخرين، ويعيدون تدويرها، لكنها تختلف عما يراه صاحب المقولة – التي أصبحت خالدة – «عزيزي المغفل».
وأظن أن مجريات الساعات القليلة الماضية، تثبت لمن يود أن يستمع لقدر من صوت العقل.. لا الأدرينالين، أن من يعتقد أنه عارف وعالم وفاهم، ليس بالضرورة كذلك.
شخصياً، أؤمن بأن أقصر قنوات الهبد على ما هو قابل للفهم.. بناءً على أحداث ومجريات، وتاريخ وجغرافيا، وقراءة – بقدر المستطاع من مصادر تقف على طرفي نقيض – مع تقليص – وإن أمكن قص – هامش «العلاقات التاريخية بين البلدين» و«الثقافة واللغة والدين المشترك» و«علاقات النسب المتشابكة» و«الأخوة العميقة» و«الصداقة المتينة» وغيرها، والاكتفاء برصد المصالح المختلفة والمتغيرة للدول، والخرائط الجديدة، وموازين القوة المتحولة… إلخ.
أما المشاعر والأخوة والصداقة، فجميلة ومليحة وبديعة، لكنها لا ترجح كفة على أخرى في الحروب، أو تحدد مصير دولة أو مآل جماعة في الصراعات.
مرة أخرى، من حق الجميع أن يعبر عن الرأي والأيديولوجيا والتوجه، لكن ما تكشفه الـ«سوشيال ميديا» – يوماً بعد يوم – عن كمية الشوفينية في التعبير.. أمر يستحق التوقف لحظة للمراجعة، ويكفي ما نعيشه من شوفينية عالمية.. في إدارة شؤون المنطقة.
نقلاً عن «المصري اليوم»