وجيه وهبة
منذ بضعة شهور – في مطلع العام الدراسي الحالي – شاهدت لقاءً تليفزيونياً مع السيد وزير التربية
والتعليم، لو صحت الأرقام والبيانات.. التي وردت في هذا اللقاء ـ ولا نملك إلا أن نفترض صحتها ـ فنحن
أمام وزيرٍ منجزٍ حقاً. فقد كان الوضع الذي تسلم فيه الوزير مهمته، شديد الصعوبة؛ كان لدينا – على حد
قوله – خمسمائة وخمسون ألف فصل دراسي، وكان لدينا عجز يقدر بمائتين وخمسين ألف فصل، وكان
لدينا ثمانمائة وخمسون ألف مُعلم، مع عجز في عدد المعلمين يقدر بأربعمائة وستين ألف معلم.
أما عن كثافة الفصول، فقد كانت تتراوح بين ثمانين ومائة وخمسين. بل وصلت في بعض الأحيان إلى
مائتين وخمسين تلميذاً في الفصل الواحد!!.
أرقام مفزعة.. ذكرها الوزير، ثم عرج على ما أنجزته وزارته، ليبين أنه اليوم ـ وقت إجراء اللقاء ـ وبعد
أربعة أيام من بدء العام الدراسي، قد انخفضت كثافة الفصول، لتصبح أقل من خمسين تلميذاً للفصل.. في
كل المدارس، وعددها مائتا ألف مدرسة، وتبقى فقط سبع وأربعون مدرسة. ثم أوضح الوزير أنه قد تم
«تحديث» مائة ألف فصل هذا العام؛ مما يعني أن العجز في المعلمين قد ارتفع ليبلغ ستمائة وستين ألف
معلم. ثم يبشرنا الوزير بأنه قد تم إيجاد حلول لخفض العجز، حتى وصل إلى مائة وخمسين ألف معلم
فقط.
ما ذكره الوزير يُعد إنجازاً رائعاً – بالأرقام المصمتة، وفي زمن قياسي – مما يبين عن جهد جهيد قد بُذل.
وأعجبتني إشارة الوزير إلى ضرورة إنهاء التضخم.. في عدد المواد الدراسية. وسعيه لخفضها.. لمواكبة
المناهج الحديثة في العالم. كما أعجبني أيضاً إشادة الوزير بإنجاز من سبقوه، وقوله إنه يراكم على
إنجازاتهم. وهذا شيء لم نعتده من كبار مسؤولينا. ولكن، بقدر تقديرنا لهذا الجهد وذاك الإنجاز.. بقدر
اندهاشنا بالقرارات الفوقية، التي انهالت على رؤوسنا منذ ثلاثة أيام، والمتعلقة بتغيير نظام التعليم
الثانوي.
لن نعلق على مضمون – وفحوى – التغيير المنشود، والعودة إلى نظام شهادة «البكالوريا»؛ «فأهل مكة
أدرى بشعابها». ولا أعتقد أن «مشروع التغيير».. هو من بنات أفكار الوزير وحده؛ فلابد أنه مشروع
خضع لدراسة الخبراء والمختصين، ولابد أن يكون له مآثر حميدة.. على مشاكل «الثانوية العامة»
المزمنة المستعصية. ولكننا نتوقف ونتساءل في دهشة.. عمن وراء الجزء الغريب المريب من المشروع،
والخاص بمادة «الدين»، الذي يتضمن إضافة درجات مادة «الدين».. على مجموع الدرجات النهائية.
و«الدين» – وتديين المجال التعليمي – هو شأن عام.. أكبر من أن يترك لأهواء السادة الوزراء.
■ ولأن الإحباطات لا تتداعى فرادى، فمع الأيام الأولى للعام الجديد، فاجأنا السيد وزير الأوقاف
بمشروع عودة الكتاتيب!! وهو رجل أتوقف أمامه – بداية بعمامته المختلفة في ارتفاعها عن عمامة كافة
رجال الأزهر المصريين الأجلاء، إلى التبرك بتقبيل السيوف، إلى «التحنيك». تُرى ما سر هذا الهيام
بالعودة إلى الماضي؟
انسجام وزاري وتزامن عجيب بين وزيري الأوقاف والتربية والتعليم.. يعزفان معاً لحن الدولة الدينية في
تناغم، وفقاً لتوزيع المايسترو الخفي، وهلت ليالي «تجديد الخطاب الديني» الحالكة؛ فوزير الأوقاف
يطالب بعودة الكتاتيب، ووزير التعليم يطالب بحشر الدين.. ضمن المواد التي تضاف درجاتها للنتيجة
النهائية!! فعلى من يزايد المزايدون، ولحساب من؟!!
طالبنا بتدريس مادة «السياحة»، فأتحفونا بحشر مادة الدين وتوغلها.. نكاية في دولة «المواطنة».
هناك طريقتان لإسقاط الدولة.. في غياهب جب الدولة الدينية؛ الأولى: هي السقوط الحر التدريجي.. عبر
الاختراق الفكري لمؤسسات الدولة جميعاً، واتباع سياسة النفس الطويل.. بدعوى «محاربة التطرف».
والثانية: هي الإسقاط القسري – عبر الإرهاب وبحور الدماء – كما كان الأمر في «أفغانستان»، ثم
«سوريا».
مظاهر الدولة الدينية.. تتعمق، وتتعملق.. أمام أعيننا، فهل نحن نسير على طريق «الأفغنة»
و«السورينة»؟ وهل من مغيث؟
التنطع تطوعاً
على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به، كتب لاعب كرة قدم جزائري الجنسية، يلعب لنادي
«السيراميك» ـ الذي يمتلكه وكيل البرلمان المصري ـ كتب متطوعاً ومتنطعاً يقول:
■ «احتفالك أيها المسلم.. برأس السنة، لا يدل على مدى رقيك وتحضرك. بل يدل على مدى جهلك
بدينك، وضعف عقيدتك. والله المستعان».
■ «من مصائب زماننا، أننا ابتلينا بتجار.. يقدمون تخفيضات بمناسبة رأس السنة الميلادية، ويلهبون
الأسعار باقتراب شهر رمضان. هداهم الله».
■ «أنا مسلم، لا أنسب لله ولداً.. هذه عقيدتي. ولا أحتفل بعيد من يجعلون لله ولداً، لا ترسل لي تهنئة ولا
تتمنَّ لي عاماً سعيداً».
هكذا كتب العالم العلامة والحبر الفهامة.. الكابتن الجزائري «القندوسي».. بتفاهة عبثية، ودون مراعاة
لظرفي المكان والزمان؛ مستحضراً فكر «عباس مدني».. المتطرف، ورفاقه في «جبهة الإنقاذ»
الجزائرية، ليبث على صفحته خطاباً طائفياً عنصرياً بامتياز. ونقول لهذا «الكابتن» – كما يقول العامة –
«هي المشرحة ناقصه قتلى يا أخ، إحنا عندنا منك كتير.. ومش ناقصين».
لو كنا جادين في تعزيز مفهوم المواطنة، ولو كان هناك وعي بخطورة أمثال هذا «اللاعب/ الواعظ»..
على مناخ السلم الاجتماعي.. لقام المسؤولون عن الناديين المعنيين، بإنهاء مسيرته على الملاعب
المصرية فوراً.. اليوم قبل الغد. أما إذا لم يفعلوا، فالدولة لا تعدم الوسائل الذكية – إذا توفرت الإرادة ـ
لدفعهم لإنهاء هذا التنطع، وبلا مماطلة؛ بحجة إجراء تحقيقات. والملف لا يمكن إغلاقه، لمجرد أن
«الكابتن» قدّم اعتذاراً عن فعلته، ولا أن يُترك الأمر للأندية، أو الاتحادات الرياضية.. فهذه مسألة «أمن
قومي» حقاً، لو تعلمون.
مباحث الأزبكية.. عيون ساهرة
في شهر أغسطس الماضي، كتبت عن عصابة خطف «الموبايلات».. في منطقة حيوية في قلب القاهرة،
فوق كوبري أكتوبر. ومؤخراً توصل رجال مباحث قسم الأزبكية – بقيادة العقيد «شادي الشاهد» مفتش
مباحث القسم – إلى التعرف على العصابة.. رغم صعوبة الأمر. وتم إلقاء القبض عليهم.
لذا، لزم التنويه والشكر لتلك العيون الساهرة، وهذا حقهم علينا، فليس من العدل أن ترتفع عقيرتنا
بالشكوى مما لا يرضينا ـ وهذا حقنا ـ ونغض الطرف عما يرضينا ويسعدنا، ويشعرنا بيقظة الأمن
الجنائي. فلرجال الشرطة المجيدين – أياً كانت مواقعهم ورتبهم – كل التحية والتقدير، والتهنئة مع اقتراب
عيدهم في الخامس والعشرين من هذا الشهر.
نقلاً عن «المصري اليوم»