د. هبة جمال الدين*
لم تمر اتفاقات «أبراهام» وما تحمله من شفرات سياسية.. حتي ظهرت اتفاقات «إسحاق» – نبي الله ابن رسول الله إبراهيم عليه السلام – وتلابيب الشفرة.. تكمن في الأفعي الرقطاء؛ فهي مطية للتطبيع معها وتحسين صورتها.. بعد ضياع سمعتها بسبب الإبادة، لخداع دول أمريكا اللاتينية.. لتقبلها وتطبع معها، بعدما لفظها أصحاب الضمائر . وكأن الأفعى أحتكرت سيدنا إبراهيم ونسله، وكأنهم اعتبروا أن وعد إبراهيم بالأرض لهم، ونسوا سيدنا إسماعيل.. ابنه الأكبر. وسيظلوا يتلاعبون بالدين والمعتقد تحت وهم بناء هوية إحلالية، تقبل بحكم الأفعي، وقبولها علي أنقاض الدول القومية.
- يحتل معبد دلفي مكانة كبيرة في شفرة التكنولوجيا الحديثة.. وما تعكسه من دلالات ؛ فـ «أوراكل».. ليست الشركة العالمية للتكنولوجيا، وأنما ترجع أصولها للعرافة «أوراكل».. التي كانت تتلقي الوحي – وفقا للأسطورة – وهي في حالة إغماء.. بسبب انبعاثات الغاز التابعة من الشق الأرضي بالمعبد. و«أبولو».. ليست اول سفينة فضاء، وأنما هي أسم الإله الذي بني معبد «دلفي».. إله الرماية، والموسيقى، والضوء، والنبوة، والفنون، والشفاء. و«بايثون» Python ليست لغة البرمجة الحاسوبية، وأنما هي اسم الثعبان.. الذي قتله الأله ابولو وفقا للأسطورة، وبني علي قبره المعبد. وسميت الكاهنة «أوراكل» – نفسها – «إيثينيا».. باسمه، تيمنا.
… والأساطير تطول.
ولكن هل التكنولوجيا.. وارتباطها بالمستقبل، تعود بنا لعصر الاستشراف المقدس.. إبان الحضارات القديمة؟! أم أننا أمام فاعلين اخرين، يحركون العالم نحو مستهدفات مغايرة.. ذات شفرة سرية لا يعلمها الكثيرون!
- جاء مقتل «أبو شباب» – قائد الميليشيا المسلحة الموالية للكيان الصهيوني في غزة – وما حظي به في حياته السياسية القصيرة، وفي مماته من تغطية كبيرة إعلاميا.. ليفك طلاسم شفرة الشطرنج السياسي، وما يحمله من بيادق للحركة.. كقوي فاعلة (متشابهة في أكثر من ساحة)، وكأننا نشهد نفس البيدق مع اختلاف الساحات.
- فمع قوات حميدتي بالسودان، وما يقوده من ميليشيات تتصارع مع الجيش (الوطني) السوداني.. في مشهد عسكري أمام عسكري. وتلاه صعود بريفجيني و«قوات فاجنر» في روسيا – لزعزعة الحكم – ثم اشتعال الساحة في غزة – من خلال استغلال الافعي لعملية قامت بها حماس لتصفيه القضية – ثم إشعال الساحة في لبنان، وتغير التوازنات السياسية والوضع الجيوسياسي – عبر حزب الله – وتصفيه قيادات وتحجيم دوره، واشتعال ساحة اليمن عبر مقاومة الحوثي وما يملكه من ميليشيا ضد الافعي نصرة لغزة، وتغير السياسة في سوريا بفعل ميليشيا مسلحة.
- وسبقتهم طالبان في افغانستان، وقبلها داعش والقاعدة .. فنحن نعيش علي رقعة شطرنج سياسي يتحرك عليها الآن بيدق الميليشيات المسلحة.. من خلال قوي تستهدف الهدم والتخريب والتغير الراديكالي بالمنطقة. ونجد القوي العظمي والكبري.. تقف إما متحالفة، أو منددة، أو شاجبة، وكأننا لا نري، ولا نفهم، ولا نسمع. فيلم سينما تحت وطأة التنويم المغناطيسي.
أصبحنا أمام وضع جيوإستراتيجي علي شفا الأنفجار، لصالح الفوضي وعدم الاستقرار والتقسيم.. لنقف أمام «سايكس-بيكو» جديد.. ينادي به الصهاينة، ومراكز الفكر الأمريكية.. مطالبين بالتقسيم، ثم إنشاء هياكل حكم جديدة.. علي أنقاض الدول المقسمة.
أليس هذا هو خديعة «التكامل الإقليمي»؟ ومشروعات الربط.. التي تؤسّس لهذا التكامل، بما ينفي سيادة الدول ويقتل استقلالها، ويرسخ استعمارها.
ها نحن نشهد وضعا جديدا في فلسطين، وكأننا عدنا للحقبة الاستعمارية، فهل لم نعد نملك الإرادة؟ ولا الممانعة؟ هل فقدنا القدرة على حماية ما نمتلكه من موارد، وأصبحنا لا نستطيع توظيفه.. لإيقاف هذا السيناريو الخطير الذي يحاك للمنطقة؟
في الواقع، أصبحت الشفرة مقروءة، وأضحت تلك السيناريوهات جليه، ولكننا علينا أن ندرك أن اجهاض تلك المخططات الخطيرة.. لا تحققه إلا العقلية المستقبلية، التي تستطيع تغير مخططات تشكيل الغد؛ فهو ليس قدرا ولا معطي مسلمٌ به، وإنما هو قرار من يستطع الانتباه له، والتأهب والاستعداد.
…المستقبل يجب أن يكون ملكاً لأصحاب الأرض.. ملكاً لأصحاب الحق.. ملكاً لأصحاب القضية.
… فكل الشفرات والأفاعي – مع اختلاف أنماطها – لا يمكنها خداعنا.. إذا امتلكنا العقول، لنرسم مستقبلنا بأيدينا.. شاء من شاء، وأبي من أبي.
* رئيس قسم الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومي.
نقلا عن «الأخبار»