Times of Egypt

عبد الناصر ودول الجوار «1-2»

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد

انعقد لقاء يوليو الفكري الثالث يومَي السبت والأحد الماضيين بمقر نقابة الصحفيين المصريين. اللقاء نظمته «المؤسسة الأفريقية للتطوير وبناء القدرات» للأستاذ حسن موسى و«مؤسسة دكتور جمال شيحة للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة»، وأهميته أنه يتحول بالذكرى السنوية لثورة 23 يوليو.. إلى مناسبة فكرية، لمناقشة ميراث يوليو بشكل موضوعي، بعيداً عن المهاترات المعتادة.. بين أنصار يوليو وخصومها. والأهم، أن النقاش يهدف للاستفادة من خبرات الماضي.. عند النظر للمستقبل. 

حظي لقاء يوليو الثالث بمشاركة واسعة.. من مثقفين من مصر وفلسطين والسعودية واليمن وليبيا والسودان، ما يعكس التوجه العروبي.. الذي كان من أهم مميزات ثورة يوليو، وشارك في افتتاحه أحد أبرز رموز المرحلة الناصرية ..الأستاذ الكبير محمد فائق، ورئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الأسبق الأستاذ علي ناصر محمد. وقام بالتنسيق للقاء الدكتور أحمد يوسف أحمد، الابن البار لهذه المرحلة ،الذي قام بتحقيق عدد كبير من خطب الرئيس جمال عبد الناصر.. صدرَت في أربع مجلدات عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت.

من بين العديد من الموضوعات – التي تناولها اللقاء – يركز مقال اليوم على موضوع قلّما تجرى معالجته بشكلٍ متكاملٍ؛ وهو الموضوع الخاص بموقف ثورة يوليو – وعبد الناصر تحديداً – من دولتي الجوار (العربي) الرئيسيتين.. تركيا وإيران، فعلى الرغم من وفرة المادة العلمية عن العلاقات المصرية-الإيرانية في ظل حكم الرئيس عبد الناصر، فإن المكتوب عن العلاقات المصرية-التركية قليل، والأقل من ذلك.. المكتوب عن علاقات مصر مع هاتين الدولتين من منظور مقارن، ومحاولة بناء إطار مفيد للتفاعل الثلاثي في المستقبل. أعدّ الورقة المتصلة بهذا الموضوع الدكتور محمد السعيد إدريس – الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام – وانطوت ورقته على ثلاث أفكار رئيسية؛ الفكرة الأولى أن عبد الناصر تعامل مع تركيا وإيران.. من منظور فكرة «الجوار الحضاري» الإقليمي، وسعى إلى تأسيس «مثلث ذهبي» بين الدول الثلاث، بهدف تحييد أي تأثير سلبي من جانبهما على مشروعه للنهوض القومي العربي.

والفكرة الثانية أن كون عبد الناصر لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف، فإن ذلك بسبب سياسات دولتي الجوار.. وبالذات إيران، في علاقتها مع القوى الاستعمارية عموماً وإسرائيل خصوصاً. الفكرة الثالثة أن عبد الناصر.. لو كان حياً، لأعاد الدعوة لتأسيس: «تكامل إقليمي مصري-إيراني-تركي» يؤسّس لمشروع حضاري نهضوي يجمع الأمم الكبرى الثلاث التي أسّست للنهضة العربية-الإسلامية. 

وفي تعقيبي على الورقة القيمة للدكتور إدريس، انطلقت من ملاحظة مبدئية.. تخص الإطار العام للتفاعل بين مصر، وكل من تركيا وإيران.. في الخمسينيات والستينيات، ومقارنته بنظيره في المراحل التاريخية التالية. وسوف يتم تخصيص مقال اليوم لتسليط الضوء على هذه النقطة، وإفراد مقال الأسبوع المقبل للتعقيب على ورقة الدكتور إدريس.


كان التوتر الشديد هو ما يميز العلاقة بين الدول الثلاث، باستثناء عام واحد من الانفراج في علاقة مصر بإيران.. أثناء حكم رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، والذي انتهى في أغسطس 1953. وثلاثة أعوام سادها نوع من تهدئة التوتر – دون حدوث نقلة نوعية في العلاقات – بعد هزيمة يونيو 1967، وما بدا كأنه تراجع للمشروع القومي العربي. هذا النمط الواحد في العلاقة الثلاثية، لن نجد ما يناظره منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن، حيث ذهبت هذه العلاقة الثلاثية في اتجاهات مختلفة، وغير متماثلة.. صعوداً وهبوطاً؛ ومن ذلك مثلاً العلاقة الوطيدة – سياسياً وشخصياً – بين الرئيس محمد أنور السادات وشاه إيران محمد رضا بهلوي، مقابل علاقته العادية – أو لنقل المستقرة – مع تركيا. 

وفي ظل حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كانت العلاقة مع إيران متوترة إجمالاً باستثناء فترة قصيرة في عام 2003.. عندما ساد الاعتقاد بقرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهو ما لم يحدث. وفي المقابل كانت العلاقة مع تركيا علاقة جيدة في العموم، وذلك باستثناء بعض مظاهر التوتر على خلفية قضية المياه.. بين تركيا وكل من سوريا والعراق، مع ملاحظة أن مصر قامت بالوساطة بين تركيا وسوريا في عام 1998، مع تصاعد التهديدات التركية للرئيس السوري حافظ الأسد.. بسبب دعمه حزب العمال الكردستاني، وقادت هذه الوساطة إلى توقيع اتفاق أضنة الشهير.

ومع ثورة المصريين في 30 يونيو 2013، تعقدت العلاقات المصرية-التركية بشد،ة نتيجة موقف تركيا السلبي من تطور الأوضاع الداخلية في مصر، علاوة على بعض القضايا الخلافية بين الدولتين.. في كل من ليبيا وسوريا، لكن منذ نحو عامين.. بدأ يحدث تقارب سياسي بطيء ومطرد بين الجانبين المصري والتركي.. وصولاً للتطبيع الكامل للعلاقات. أما في ما يخص إيران، فعلى الرغم من بعض التعقيدات المرتبطة بعلاقة إيران مع جماعة الإخوان.. عقب ثورة يناير، اتجهت العلاقات للانفراج دون أن تصل إلى مستوى التطبيع الكامل. لكن من مظاهر الانفراج – التي لا يمكن غضّ النظر عنها – قيام إيران بتغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي.. قاتل الرئيس السادات، وهو موضوع له حساسيته الفائقة؛ بالنظر إلى دلالته الرمزية.. بتكريم قاتل أحد رؤساء مصر. 

كذلك هناك كثافة غير مسبوقة في الاتصالات الدبلوماسية بين مصر وإيران، ووساطة مصر في قضية الملف النووي الإيراني. ويمكن تفسير مظاهر هذا التطور الإيجابي.. بالسياسة الخارجية المتوازنة لمصر بشكل عام؛ فبينما تدرك مصر حدود الاختلاف مع إيران، فإنها رفضت أن تكون جزءاً من التحالف الذي دعا إليه الرئيس دونالد ترامب – خلال فترته الأولى – تحت مسمى «الناتو العربي».

ما الذي يمكن أن نستخلصه من العرض التاريخي التحليلي السابق؟ 

نستخلص أنه بينما لم يكن هناك نمط واحد، يجمع علاقة مصر.. بكل من تركيا وإيران، فإذا هي وثيقة مع إحداهما متوترة أو عادية مع الأخرى، فلقد سارت العلاقة بين مصر ودولتي جوارها.. وفق نمط واحد تقريباً، هو التوتر الشديد خلال العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين، مع بعض التهدئة في نهاية الحقبة الناصرية.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة