Times of Egypt

عبدالناصر بين الشمولية والديكتاتورية؟!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

قبل 15 عاماً – وخلال زيارة لطوكيو – التقيت أستاذاً لعلوم السياسة يابانياً. تطرَّق الحوار إلى الرئيس عبدالناصر، فبادرني بالقول: أعتقد أنه لم يكن ديكتاتوراً بل شمولياً (سلطوياً). سألته: ما الفارق؟، أجابني: الديكتاتور لا هدف له سوى الحكم. يستخدم كل الوسائل من أجل هذه الغاية. أما الزعيم الشمولي، فرغم أنه يحكم بشكل استبدادي فردي، إلا أن لديه أهدافاً وطموحات لصالح شعبه. غالبية المصريين والعرب يؤمنون بأن عبدالناصر كان له مشروع قومي لنهضة مصر والعرب وتقدمهم، لكن الخلاف حول أسلوب تحقيق ذلك. أسلوب الحكم الاستبدادي كان نقطة ضعف الزعيم الراحل بل كعب أخيل، الذي تقول الأسطورة الإغريقية إن والدته غمسته في النهر.. لكي يكون بطلاً خالداً، لكنها أمسكت به من قدمه، ليلقى مصرعه بسهم أصاب المكان الذي لم يغمره الماء.

يمكن الدفاع عن سجل ناصر.. بل الافتخار به، إلا في هذه النقطة، التي قتلت – أو شوهت – معظم إنجازاته، وجعلت بعضها هشاً، لم يستطع الصمود بعد وفاته. لذلك، فوجئت كثيراً بالهجمة الشرسة.. ضد تصريحات للسيد عمرو موسى، قال فيها: نعم عبدالناصر كان ديكتاتوراً.. لن نضحك على أنفسنا. التصريحات ليست جديدة.. بل منذ أكثر من عام، كما أنها ليست مفاجئة. موسى في مذكراته تحدث عن إنجازات الزعيم الراحل الكثيرة، وإخفاقاته العديدة؛ وتحديداً الانفراد بالرأي.. مما أضر بمشروعه في مصر والعالم العربي. 

بعض الرؤساء يتوقف ذكرهم.. فور خروجهم من الحكم أو رحيلهم. لكن العظماء يظل الناس يختلفون حولهم. تشرشل أبرز شخصية بريطانية في القرن العشرين صدرت عنه مئات الكتب؛ بعضها يمدحه والبعض الآخر يمقته. 

المفكر اليساري البريطاني الباكستاني الأصل طارق علي.. أصدر عام 2022، كتاباً بعنوان: تشرشل.. زمنه وجرائمه، اتهمه بالإبادة الجماعية والعنصرية، والتسبب عمداً في مجاعة قتلت 3 ملايين هندي. جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا، جرى فضح امتلاكه مئات العبيد السود. ملوك بريطانيا – وأشهرهم إليزابيث الأولى – كشفت وثائق جديدة انخراطهم في تجارة العبيد. 

ليس هناك إنسان كامل الأوصاف، فما بالنا بالسياسيين والحكام.

عبدالناصر – نفسه – اعترف عقب النكسة.. بالأخطاء، وخاصة منع الآراء المخالفة، وتكميم حرية الرأي. ومن يدري كيف كان سيغير أسلوب حكمه وسياساته، لو طال به العمر. لكن ذلك لا يعني تحميله كل الأخطاء.. التي تراكمت على مدى 55 عاماً منذ وفاته. وكأنه كان يحكم طيلة تلك الفترة. 

نعم، ما زالت أسس كثيرة تتعلق بنظام الحكم، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.. أرسيت في عهده، لكن هذا ما حدث في إسبانيا/فرانكو، والبرتغال/سالازار، وكوريا الجنوبية/ بارك تشونج هي. فانظر أين تلك الدول الآن، وأين نحن؟ أصبحت فترات حكم هؤلاء الحكام تاريخاً، لكن حكم عبدالناصر ما زال حاضراً.

ربما كان الزعيم الراحل.. أهم شخصية مصرية في القرن العشرين، لا ينازعه سوى سعد .. الذي تعرَّض لانتقادات شخصية وسياسية لا مثيل لها، أبرزها – في عهد عبدالناصر نفسه – أنه ركب موجة ثورة 1919. ومع ذلك، لم يتغير حكم التاريخ فيه. 

الزعماء العظام، كبار.. في إنجازاتهم وإخفاقاتهم. لا يجب أبداً أن نعاملهم كملائكة.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة