أمينة خيري
أعود مضطرة، وتحت ضغط الفيديو الصادم للمواطنين.. الذين كانوا يعبرون طريق الكورنيش في الإسكندرية، للحديث عن سلامتنا على الطريق.
لم أعد أتطرق كثيراً لهذا الملف.. الذي حصد – بحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – 5269 شخصاً فقدوا حياتهم عام 2024، ونحو 77 ألف إصابة على الطريق، وهو ما يعني – بحسب الأرقام أيضاً – انخفاضاً في عدد القتلى، وارتفاعاً في عدد المصابين مقارنة بعام 2023.
وسواء كانت هناك زيادة أو انخفاض في عدد الضحايا – وحتى لو كان العدد بالعشرات، لا بالآلاف – فإن كلاً منهم يعني مأساة لأسرة بأكملها. كنت أكتب بكثافة.. من واقع معايشتي كمواطنة – من حقها أن تلفت النظر لما يجرى، لا سيما حين يُقتل ويصاب الآلاف في حوادث كان في الإمكان تفادي نسبة كبيرة منها – ولكن كدت أفقد الأمل.
السرعات الجنونية، القيادة التي لا تتبع قواعد ولا تعرف قوانين، السير المتعرج، الاجتياز الخاطئ، السير العكسي، الانتظار الخاطئ، قيادة الأطفال لمركبات – بما فيها التروسيكل والدراجات النارية والتكاتك، التي يعتبرها البعض لعب أطفال، وأحياناً لسيارات عادية – وغيرها الكثير من الخروقات، التي في الإمكان منعها والسيطرة عليها، ومن ثم تقليص عدد الحوادث.. جميعها أصبحت متجذرة في المجتمع.
منظر عشرات العمال – وبينهم أطفال وهم مشحونون في سيارة ربع نقل مكشوفة، تطير على الطريق – أو السيارة التي «تخطف بضعة أمتار أو كيلومترات».. عكس الاتجاه، وأحياناً تسير عكس الاتجاه.. حتى تصل إلى وجهتها، «موتوسيكلات» الدليفري.. وغالبيتها المطلقة تتم قيادتها عكس الاتجاهات، ودون اتباع أدنى قواعد سير، وأحياناً على الأرصفة، وغيرها مشاهد نعايشها يومياً. وبيننا أجيال خرجت إلى النور، وهي تعتقد أنها أمور طبيعية.
وكم من مرة تعرضت للسب.. لدى إصراري على الوقوف أمام سيارة تسير في الاتجاه المعاكس، ومنهم من كان يقود سيارة فارهة في مدينة الشروق.. حيث أسكن، وقال لي بكل هدوء: المدن الجديدة مافيهاش قوانين مرور، والدنيا هادية، فما تحبكيهاش.
وأضيف أنه بلغني أن انتقاداتي المستمرة لكوارث الطرق – التي يمكن تقليصها – «مزعجة». ما يعنيني هو انعدام السلامة، وغياب كبير لتطبيق القواعد والقوانين، التي لا أقصد بها عدد المخالفات المحررة والمركبات المصادرة، بل الأسس التي يتم إصدار الرخص على أساسها، وكاميرات المراقبة، والتواجد المستمر – وغير الموسمي – للضبط والربط.. في الشوارع والميادين؛ سواء كانت مدناً جديدة أو قديمة، أو بين البينين، بالإضافة إلى قدوة نتبعها في القيادة الآمنة، المُحترِمة للقوانين.. من قبل السيارات الحكومية.
دماء «فتيات العنب».. لم تبرد بعد، وحادث الكورنيش رهيب، ورؤى العين وصفحات الحوادث عامرة بكوارث، كان في الإمكان تفادي بعضها.. بإجراءات يعرفها الجميع، اسمها «السلامة على الطريق».
نفس قائد السيارة – الذي يسير عكسياً أو بسرعة جنونية.. بكل ثقة وبجاحة – لا يجرؤ على مجرد التفكير في ذلك في دول عدة، حولنا وبعيدة عنا. ما الذي يشجعه إذن.. على ضرب عرض الحائط بالقواعد في بلده؟.
وللحديث بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»