Times of Egypt

طبيب معالجة الأحداث!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

بدأتُ عملي مراسلاً لصحيفة «الأهرام» في لندن بداية 1995. كانت شعبية حزب المحافظين البريطاني الحاكم في انحدار شديد.. بعد 16 عاماً في السلطة. وصل الأمر إلى أن مجرد ظهور بعض الوزراء، والرموز الكبيرة للحزب.. في الإعلام، يزيد من غضب الناس، بغض النظر عما يقولونه. توافقت قيادة الحزب على تقليل لقاءات «المغضوب» عليهم شعبياً.. لأدنى حد ممكن. بعد فوز حزب العمال بزعامة توني بلير بالانتخابات في مايو 1997، لجأ سريعاً إلى معالجة تلك المشكلة.

عين بلير صحفياً سابقاً في صحيفة شعبية – هو أليستر كامبل – للإشراف على الإعلام في رئاسة الحكومة. كان اللقب الرسمي «مسؤول الاتصالات»، لكن الإعلام أطلق عليه لفظاً انجليزياً.. يعني «طبيب معالجة الأحداث»؛ وهو إعلامي محترف، مهمته تلميع صورة شخص أو هيئة.. والتأثير على الرأي العام لصالحهما. دوره أيضاً تزيين وتجميل الحقائق والأحداث، لتغيير الصورة العامة إلى الأفضل. 

كانت سمعة الوظيفة في الإعلام غير جيدة. لكنها نجحت في تجنيب الحكومة مشاكل كثيرة.. ناتجة عن تهور أو سذاجة بعض الوزراء في التصريحات، ونجاح صحفيين في استدراجهم.. للكشف، أو الإدلاء بآراء لا تمثل خط الحكومة. كان كامبل لديه سلطة إلزام الوزراء.. بإلغاء مؤتمر صحفي، أو الخروج لنفي ما صرح به أو تسرب عنه، إذا رأى أن ذلك في غير صالح الحكومة. اعتاد إرسال خطوط عريضة لأعضاء الحكومة.. لمراعاتها عند الحديث للصحافة والإعلام. 

اعتبرته الصحافة – آنذاك – أقوى شخصية بعد توني بلير. كان يرى أن القضية ليست في المعلومات، ولكن في طريقة إيصالها للناس. في بعض الأحيان، تكون إذاعة نصف الحقيقة مفيدة.. لأن الحقيقة الكاملة مُضرة بالحكومة. التسريبات التي تفيد الحزب والحكومة، كانت عملية شبه يومية. كان لا يؤمن بمقولة أن أعمال الحكومة.. تتحدث عن نفسها. لابد من ماكينة ضخمة وجهاز إعلامي ذكي.. لإيصال ذلك إلى الجمهور.

بالتأكيد، معظمنا سيختلف مع هذا الأسلوب.. الذي يحول كل شيء إلى دعاية وتلميع وعلاقات عامة. لكن رغم ذلك، كان هناك عقل استراتيجي يدير علاقة الحكومة بالإعلام والصحافة والرأي العام. 

تذكرت التجربة البريطانية، وأنا أتابع تصريحات بعض الوزراء عندنا، التي تخصم كثيراً من رصيد الحكومة. طريقة تعامل وزير السياحة والآثار شريف فتحي.. بشأن أزمة الشاب عبدالرحمن خالد – صاحب فيديو الإعلان الترويجي للمتحف المصري الكبير – تؤكد أن لدينا مشكلة في مخاطبة الرأي العام، وعدم إدراك حقيقي لأهمية الرسالة الإعلامية.. الصادرة عن الحكومة. ركز الوزير تقريباً – في تصريحاته – على الجانب الجنائي، واختار أسلوب الزجر، وليس احتضان تجارب الشباب.. دون التغافل عن أخطائهم. لم يفترض حسن النية في دوافع الشاب. كان من الممكن للمتحدث باسم الوزارة.. معالجة الأمر دون أن يكون الوزير طرفاً.

مع النقاشات الحالية عن تطوير الإعلام، حبذا لو خضعت الرسائل الإعلامية – الصادرة عن الوزراء تحديداً – للدراسة.. متى يتحدث الوزير أو المحافظ أو المسؤول وكيف وماذا سيقول؟ هل الأفضل أن يكتفي بالمتحدث، ولا يتحدث إلا من نص مكتوب؟ هل هناك «عقل إعلامي حكومي»، أم أن الأمر متروك لما يراه السيد الوزير.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة