نبيل فهمي
تحتفل الأمم المتحدة هذا العام بالذكرى الثمانين لتأسيسها.. مع التوترات الجيوسياسية والصراعات حول العالم؛ منها صراع عسكري هائل بين روسيا والغرب في أوكرانيا، وتدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وتجميد لجميع مفاوضات الحد من الأسلحة.
كما تجاوزت العلاقات بين الولايات المتحدة والغرب والصين.. المنافسة على قضايا التجارة والتكنولوجيا، وأصبحت تتجه بقوة نحو المواجهة الاستراتيجية، وانتشر استخدام القوة في الشرق الأوسط.. في ليبيا والسودان واليمن وسوريا، بالإضافة إلى المذبحة الإسرائيلية غير الإنسانية في غزة. كما هاجمت إسرائيل إيران، مشعلةً بذلك صراعاً استراتيجياً جديداً خطراً، وزادت الولايات المتحدة الطين بلة، حين شنت غارة عسكرية متطورة للغاية.. على ثلاثة مواقع نووية إيرانية على الأقل. وكان من المفترض أن الأمم المتحدة – التي أُنشئت خصيصاً لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة وتكرار الخسائر الإنسانية الضخمة – ستكون ساحة حل هذه القضايا.
استخدامات صارخة للقوة:
اللافت أيضاً، الاستخدام الصارخ والمتكرر للقوة عبر العالم، بما يتنافى مع مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة. وفي أغلب الأحيان، على أيدي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة)، أو حلفائهم المقربين.. مثل إسرائيل؛ المحصنين من المساءلة باستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، ضد أي مشروع قرار.. يدعو إلى وقف إطلاق النار الدائم – وغير المشروط – في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، ورفع القيود الإنسانية. وقد تضررت مصداقية المؤسسات السياسية للأمم المتحدة، وعلى رأسها مجلس الأمن، الذي يبدو أنه لا يستجيب.. إلا عندما يخدم مصالح القوتين العظميين الأهم في العالم.
ومع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف عام 2025، من المتوقع أن يُلقي دونالد ترامب خطاباً نارياً ضد المنظمة، ويتهمها بالهدر المفرط في النفقات والفساد، ويطالب بإصلاحات جوهرية. لكني ما زلت مؤيداً قوياً للأمم المتحدة؛ التي على الرغم من كونها منهكة، فإنها تمثل أفضل منصة متاحة للتعددية.. في عالمنا الحالي؛ إذ يصل عدد أعضاء الأمم المتحدة حالياً.. إلى 193 عضواً، وقد يصبح 194 عما قريب؛ حيث تسعى فلسطين جاهدة للانضمام للمنصة الدولية. من الواضح أن الغالبية العظمى من المجتمع الدولي – في الوقت الحالي – تفضل إصلاح العلاقات بين الدول عبر منصة الأمم المتحدة، بدلا من أن يحدث ذلك بمنأى عنها. لكن هناك أعضاء كثيرين – في الوقت نفسه – غير راضين عن الأداء الحالي للمنظمة، ولذا فهم يدعون بشدة إلى اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح، بغية تفعيلها وليس إضعافها.
مطالب الإصلاح الثلاثة:
هناك ثلاثة مطالب أساسية.. تمثل جوهر دعوات الإصلاح – سواء داخل الأمم المتحدة نفسها، أو الوكالات المتخصصة التابعة لها، أو منظمات بريتون وودز – وهي:
- زيادة عدد الأعضاء في المجالس المختلفة. وفي حالة مجلس الأمن، إلى نحو 24 إلى 25 عضواً، منهم مقعدين دائمين – على الأقل – لأفريقيا.
- وضع ترتيبات للحد من إساءة استخدام حق النقض (الفيتو)، أو الإفراط في هذا الاستخدام، واتخاذ إجراءات مناسبة.. لمنع التجاوز المحتمل من قبل الجمعية العامة.
- تنظيم اتخاذ القرارات.. بشكل أكثر إنصافاً، من خلال تقليل الأصوات المرجحة.. للدول الأكثر تقدماً، وخاصة في المؤسسات المالية متعددة الأطراف. وقد تبدو محاولات الحد من السلطة المطلقة للأعضاء الدائمين للأمم المتحدة غير واقعية – في ضوء الموقف الأمريكي – وإنما هذا يغفل أن الولايات المتحدة كانت سباقة.. في طرح سبل الإصلاح سابقاً؛ عندما اقترحت عام 1950.. القرار 377 للجمعية العامة، بعنوان «الاتحاد من أجل السلام».. في محاولة لتجاوز حق النقض السوفيتي، الذي كان يعوق جهود مجلس الأمن.. للدفاع عن كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية.
وينص جوهر القرار، على أن الجمعية العامة يحق لها الدعوة إلى دورة استثنائية طارئة.. إذا لم يمارس مجلس الأمن مسؤوليته. بالفعل – على مدار الثمانين عاماً الماضية – عجز مجلس الأمن مراراً وتكراراً.. عن اتخاذ قرارات مناسبة ومنصفة، عندما يكون الأعضاء الدائمون أو حلفاؤهم المقربون.. هم موضع القرار. والنتيجة، عانى الأعضاء الدائمون وغير الدائمين من حالة الجمود، التي كانت تنتج عن ذلك؛ فمن مصلحة الجميع.. تحريك طلبات الإصلاح الثلاثة المذكورة أعلاه، لتنشيط الأجهزة، وتحسين أدائها.
وتسعى «مبادرة الأمم المتحدة الثمانين» – الصادرة في مارس 2025، و«ميثاق المستقبل والأمم المتحدة 2.0» – إلى تحديث عمل المنظمة، وأولوياتها وعملياتها.. من خلال الاستجابة المباشرة للأزمة المالية، ومن ضمنها نقل بعض الهيئات من نيويورك.. إلى أماكن أقل تكلفة مثل نيروبي.
ومن ثم يجب على الأعضاء غير الدائمين بالأمم المتحدة («الدول المتوسطة» من جميع أنحاء العالم) تشكيل تحالف من الراغبين في تبني الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية.. للمنظمات الحكومية الدولية.. دون تحيز أو تفضيل، ليؤكدوا – بحزم – أن العمل على إصلاح وتقويم التعددية.. أمر ضروري.. لضمان مصداقيتها. لذا؛ ينبغي استغلال فرصة الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، لاتخاذ خطوات بناءة.. للوصول إلى إصلاحات حقيقية، وإلا فقد تنظر الأجيال القادمة إلى هذه الذكرى، على أنها نقطة تحول مشؤومة، سقطت فيها المنظمة.. في هاوية انعدام المصداقية، والأهمية السياسية.
نقلاً عن «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي»