Times of Egypt

صور كاشفة ولها دلالات وعواقب

M.Adam
جميل مطر 

جميل مطر 

 مرَّت بنا – وتمر علينا – أسابيع حافلة بالشر والأذى.. أسابيع حاملة بذور التغيير نحو آفاق معبأة بالغيوم والأعاصير، حاملة في الوقت نفسه – وإن في مواقع متباينة – بذور تغيير في اتجاه بوادر تفاؤل بمستقبل طال انتظاره. حول هذا الموضوع، أتذكر أن وسائط الإعلام بثت في الآونة الأخيرة صوراً وفيديوهات.. بعضها فريد بما احتواه من مغزى، ومن رسائل أعتقد أن التاريخ لن يتأخر عن تسجيلها كوثائق. اخترتُ منفعلاً عدداً من وسط مجموعة أكبر.. لم تجتمع مجموعة مثلها على ما أتذكر، ولن تجتمع حسب ما أعتقد. من بين ما اخترتُ انتقيتُ لهذه الصفحة الصور التالية:

أولاً: صورة لمشهد في حفل تتويج المطور أو المقاول الشهير دونالد ترامب.. رئيساً للولايات المتحدة. يظهر في الصورة الجالسون في الصف الأهم في صفوف كبار المدعوين، وكلهم دون استثناء أصحاب ورؤساء أكبر وأضخم وأغنى الشركات الأمريكية. لم أشاهد صورة جمعت كبار شخصيات النخبة السياسية ولا الإعلامية ولا الرؤساء السابقين. أظن أن كثيرين مثلي، لم يترددوا في إعلان فحوى الرسالة التي حملتها هذه الصورة إلى العالم بأسره.. وجوهرها أن أمريكا في عهد الرئيس المنتخب، ستخضع لسنوات أربع قادمة لحكم أغنى أغنيائها، وأن النخبة الحاكمة الجديدة وعائلاتها سوف تحاول أن تكون بالقانون – أو بغيره – شريكة إجبارية.. بنسبة تُحدّد فيما بعد في رؤوس أموال هذه الشركات العظمى، مقابل اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية.. تؤمن هذه الشركات على امتيازاتها في داخل أمريكا وفي خارجها. 

توقعنا، وصدق ما توقعناه.. أن نظاماً اقتصادياً يقوم على هذه الأسس، سوف يُشعل نيران حرب طبقية. لم يُخفِ النظام نواياه وموقعه.. إزاء هذا الوضع الطبقي الملتهب، إذ سرعان ما أعلن نشوب حرب تقودها الحكومة بجيوشها النظامية، ضد ما أسماهم بالمجرمين وتجار المخدرات واللصوص والمهاجرين غير الشرعيين.. من أمريكا اللاتينية ومن غيرها. أراد بهذه الحرب ترهيب العمالة والمهاجرين وسلالاتهم، تمهيداً لتهجيرهم. لم نستبعد أن تكون الرسالة موجهة أيضاً لأهل الشرق الأوسط، حيث الإبادة جارية لفرض الهجرة «الطوعية».. على من يتبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه.

ثانياً: صورة لمشهد الرئيس الأمريكي – وهو في مكتبه في البيت الأبيض – مستقبلاً عدداً من رؤساء الدول الأفريقية. الرئيس كعادته غير المرحب بها – علانية وسراً.. من كل من زاروه – أصرَّ على أن يكون في الغرفة الفسيحة.. الصحفيات والصحفيون المعتمدون في البيت الأبيض، بعد أن جرت تصفيتهم وتطهيرهم ..من زملاء لهم يشهد خبراء البيت الأبيض بمستواهم الرفيع في أداء مهنتهم، وفي موضوعيتهم؛ وإن كان هو المستوى غير المرحب به في عهد الرئيس ترامب. 

اعتاد الرئيس ترامب على أن يجمع بين المؤتمر الصحفي المعتاد في البيت الأبيض، وبين اجتماع الرئيس بضيوفه.. لمناقشة مسائل دولية أو ثنائية حساسة.. في أجواء هادئة ورصينة. ما إن اكتمل عقد الحاضرين؛ الرئيس ونخبته المحيطة به والصحفيين وأجهزة التصوير والتسجيل.. حتى راح الرئيس – كعادته – يمارس دورين في وقت واحد. راح يطرح أولاً – وبقصد وتعمد واضحين – أسئلة واستفسارات شخصية على ضيوفه واحداً بعد الآخر، أسئلة لم تخل من السخرية والعنصرية المكبوتة. 

كان منطقياً – في ظل هذه الأجواء العدائية – أن يحاول الضيف كبت انفعاله وغضبه، إذ لا شك دار بذهن كل منهم.. أن مواطنيه في بلده شاهدوا رئيسهم «الأبي القوي والبطل الذي لا يجارى في شهامته»، وقد أصيب في هيبته وكرامته إهانة لا تُمحى. لاحظنا ولا شك لاحظ كل المشاهدين في إفريقيا ودول الجنوب عامة، أن الرئيس الأمريكي تعمَّد بعد الإهانة المسجلة التوجه للضيف، لإعلان رغبته في السماح لأمريكا بالاستيلاء بالاتفاق والتعاقد على ثروة أو أخرى.. من ثروات هذه الدولة، بينما رئيسها ما يزال فاقد الإرادة والهيبة نتيجة المهانة.. التي أصيب بها خلال الجلسة «المشؤومة» في المكتب البيضاوي. 

الرسالة وصلت إلى كل رؤساء وملوك وأمراء دول الجنوب، وربما أيضاً لرؤساء حلف الأطلنطي الذين.. وهم ورئيس أمريكا رفاق حلف واحد، وثقافة واحدة ومعسكر واحد. هؤلاء كنا شهوداً على اجتماع ضمهم في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي.. الذي تعمَّد مراراً – عن طريق نائبه – الحط من قيمة ومكانة الدول الأوروبية، وفرض عليها زيادة ميزانية دفاعها.. لتصبح خمسة بالمائة من مجمل ميزانية الدولة، يخصص أغلبها لشراء أسلحة متقدمة من أمريكا. أما الرئيس فقد فرض، أيضاً، سلاماً على المتحاربين في أوكرانيا وروسيا؛ سلام لم ولن يُنفذ أو يحظى بأي اهتمام.. إلا اهتمام الرئيس شخصياً، ولسبب أيضاً شخصي. 

الغضب في أوروبا وأوكرانيا على واشنطن.. ملموس في كل الصور، وكذلك البهجة على وجوه أعضاء النخبة الروسية – وفي مقدمها الرئيس بوتين – لا تخفى. أمريكا الجديدة.. غير مستعدة لحماية أحد، باستثناء إسرائيل والداخل الأمريكي، لا لمصلحة أحد آخر، وهي غير مقتنعة إلا بفكرة عودتها لتعيش ماضياً، كانت فيه قطباً أوحد.. ومهيمناً على كل العالم.

ثالثاً: صورة لمشهد ظهر فيه الرئيس الصيني يمشي.. وفي معيته الرئيس بوتين، ورئيس كوريا الجنوبية، ورئيس وزراء الهند، ورؤساء آخرون من دول الجنوب، وكل الوجوه تعلوها ابتسامات مريحة و«مرتاحة».. دليل رضا وانسجام. لا يتسرب من الصورة أي إشارة إلى خلاف أو انزعاج، ولا تلميح إلا لحقيقة ما وراء الصورة. 

وراء الصورة مشهد لعرض عسكري.. لم يشهدوا مثيلاً له من قبل؛ في ضخامة نماذجه وانضباطها، والقوة المتدفقة المنبعثة؛ سواء من العرض، أو من قسمات وجه الرئيس شي ورفاقه. تُلِحّ الصورة على القارئ.. أن ينظر إليها ملياً، فيستجيب وينظر ملياً. فإذا به ينتشي بانتشاء قادة الجنوب. لاحظ – أو قرأ – في المشهد ما لم يعد يراه أو يلاحظه في صور الواقع السياسي الغربي. هناك في معظم صور القادة الغربيين.. مشاهد غضب وحرب ومهانة وأزمات اقتصادية؛ آخرها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا. 

يعم التشاؤم في الصور وخارجها، حتى صارت أكثر شعوب الغرب – وبخاصة شعب أمريكا – تستجيب يأساً واندفاعاً.. لأي دعوة تُمجِّد العودة إلى الوراء؛ كالعمل على جعل أمريكا عظيمة مجدداً، أو جعل فرنسا أقل ظلماً للفقراء، أو جعل هنغاريا أكثر تواؤماً مع روسيا.. وأقل تعايشاً مع أوروبا الغربية، أو أن تكرر إيطاليا معجزتها الاقتصادية.. التي مر عليها أكثر من ستين سنة، أو أن تُنجب ألمانيا زعيماً.. في قامة كونراد أديناور، وذكاء وبعد نظر السيدة ميركل. 

الصورة للرئيس شي ورفاقه الجنوبيين.. تنطق بمعانٍ تعبر عن مسيرة نحو المستقبل، بينما معظم صور القادة الغربيين – في الآونة الأخيرة – صارت تنطق بمعانٍ.. تكاد تستنكر سَيْرَ المستقبل، وتفضل عليها سَيْرَ الماضي.. عندما كان الغرب – في نظرهم – «عظيماً» ومهيمناً.

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة