لم تكن تعلم الأمهات أن قبلة الصباح هي الأخيرة، ولا أن ضحكات الفتيات وهن يصعدن إلى الميكروباص ستكون آخر ما يُسمع منهن. كانت وجوههن مبللة بندى الأمل، وقلوبهن معلّقة بأحلام صغيرة تبدأ من حقل عنب ولا تنتهي عند باب بيت جديد. لكن القدر كتب لهن نهاية مبكرة، على طريق لا يرحم.
ففي لحظة، خفتت الحياة في 18 زهرة من زهرات كفر السنابسة، بعدما سحقتهن شاحنة مسرعة على الطريق الإقليمي، وأبقت خلفها صرخات أمهات، وترابًا مشبعًا بالدموع، وقريًة يئنّ قلبها من وجع لا يشفى.
فما القصة؟
في قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف في محافظة المنوفية، استقللن 18 فتاة لم تتجاوز أعمارهن الواحدة والعشرين عامًا، سيارة الميكروباص التي يقودها السائق أدهم محمد، متجهين نحو حقول العنب التي تنتظر أياديهن الصغيرة لتبدأ يوم عمل شاق، كن يحلمن بجمع المحصول، وربما بمساعدة أسرهن في توفير لقمة العيش، أو حتى تحقيق أحلامهن البسيطة في الحياة بالعمل من أجل تجهيز أنفسهن للزواج.
لكن تحول هذا الصباح إلى كابوس، بعدما اصطدمت سيارة نقل “تريلا” ضخمة بالميكروباص الذي يحمل هؤلاء الفتيات على الطريق الإقليمي، وتحديدًا أمام قرية مؤنسة بمركز أشمون.

لحظات قليلة كانت كفيلة بتحويل طريق العمل إلى طريق النهاية، 18 فتاة بريئات، مع سائقهن، فارقوا الحياة في لحظة مأساوية، لتُكتب أسماؤهن في سجل الضحايا بدلًا من سجل الحياة.
توزعت جثامين الضحايا على مستشفيات المحافظة، وكل اسم يحمل وراءه قصة وحلمًا وعائلة تنتظر:
مستشفى قويسنا: ميادة محي فتحي، هنا علام، مروة أشرف، آية زغلول، شيماء خليل، والسائق أدهم محمد.
مستشفى الباجور: شروق خالد، جنى يحيى، تقى محمد أحمد، هدير عبدالباسط، شيماء محمود محمد.
مستشفى سرس الليان: أسماء خالد، شيماء رمضان.
مستشفى أشمون: سمر خالد، ملك خليل، إسراء عبدالخالق، رويدا خالد، سارة محمد، ضحى همام.
صرخات أمّهات
وفي كفر السنابسة، ارتفع صوت البكاء والصراخ، وخرج الأهالي، رجالًا ونساءً، بقلوب يعتصرها الألم، لانتظار وصول سيارات الإسعاف التي تحمل فلذات أكبادهن، وافترشت الأمهات الأرض، يلطمن الخدود، ودموعهن تمتزج بتراب القرية التي شهدت ميلاد هؤلاء الفتيات وشهدت الآن رحيلهن المفاجئ.
يا وجع القلب.. 19 أم تودع بناتها في حادثة المنوفية
— Essam Elsaka (@essamsakka) June 27, 2025
لشهداء لقمة العيش
19 عروسه ربنا يتغمدهم بواسع رحمته ويصبر قلوب أهاليهم pic.twitter.com/hwLOCUzdGB
كان مشهدًا يعكس حجم الفاجعة التي حلت بالقرية الصغيرة، التي فقدت 18 زهرة من زهراتها في لحظة واحدة، وكانت كل سيارة إسعاف تقترب تزيد من حدة الصراخ، فكل جثمان يحمل معه قطعة من روح القرية.
تعويضات ومتابعة حكومية
من جانبه، أعرب محمد جبران، وزير العمل، عن بالغ حزنه وتعازيه لأسر الضحايا، متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين.
وكلف الوزير الإدارة العامة لرعاية العمالة غير المنتظمة بالتنسيق مع مديرية العمل بالمنوفية لمتابعة تداعيات الحادث، موضحا أن الوزارة ستتخذ الإجراءات اللازمة لصرف التعويضات العاجلة لأسر المتوفين والمصابين، مشيرًا إلى أن قيمة التعويضات قد تصل إلى 200 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و20 ألف جنيه لكل مصاب، وذلك من الحساب المركزي لرعاية العمالة غير المنتظمة التابع للوزارة.
القبض على الجاني
فى السياق ذاته، ألقت قوات الأمن في المنوفية، القبض على سائق السيارة النقل المتسبب في الحادث المأساوي، وذلك بعد تكثيف التحريات وتتبع خطوط السير، وجارٍ التحقيق معه لكشف ملابسات الحادث وأسبابه.
