محمد أبو الغار
بفكرة من د. هدى الصدة.. مع مجموعة الباحثين والأكاديميين – من النساء والرجال المهتمين بتغيير الصورة النمطية للنساء في الثقافة السائدة – تشكلت مؤسسة «المرأة والذاكرة» عام 1995.
وحقيقة الأمر، أنه بالرغم من التطور الكبير.. الذي حدث في القوانين والنظم والقواعد في مصر – التي أتاحت فرصاً أكبر للنساء في العمل وتغيير وضعهن في المجتمع إلى الأحسن – إلا أن المجتمع المصري ما زال في أغلبه مجتمعاً ذكورياً إلى حد كبير. وباستثناء بعض الوظائف والمهن – التي تحتل فيها المرأة مكانة مساوية أو مقاربة للرجل – فإن الغالبية العظمى من باقي الوظائف والأعمال، تحتل فيها المرأة مكانة متدنية.
في احتفال رائع قدَّمت د. سحر الموجي، ود. رانيا عبدالرحمن.. سيناريو شفوياً لكل الأمور والأحداث الإنسانية، التي صادفت مؤسسة «المرأة والذاكرة» والعاملين بها خلال ثلاثين عاماً من العمل. تحدثتا عن الضغوط التي حدثت عليهن والصعوبات التي صادفتهن. وتكلمتا عن د. أميمة أبوبكر في النسوية الإسلامية، والرأي الغريب للدكتور عبدالرحمن بدوي.. عن الصوفيات ورابعة العدوية، ومجلة هاجر – التي صدرت من 1991 إلى 1996 – والمشاركة في مؤتمر قاسم أمين، وتحدثتا عن نساء مصر وعن الثورة عام 2011، ودور المرأة في صياغة الدستور، وعن أهمية الأوقاف، وأن هناك نساء مسلمات وقبطيات وأرمنيات.. قمن بوقفات أشرفن عليها هن وبناتهن. وقامت المؤسسة بتوثيق تاريخ وأعمال رائدات الفن الحديث. واستمرت «المرأة والذاكرة» – خلال ثلاثين عاماً – حتى في الأوقات الصعبة التي أغلقت فيها الكثير من الجمعيات.
«المرأة والذاكرة» ترى أن من أهم المعوقات التي تواجه المرأة المصرية حالياً، غياب مصادر المعرفة الثقافية البديلة بشأن أدوار النساء في التاريخ وفي الحياة المعاصرة. والحقيقة أن نظرة متأنية للتاريخ الحديث لمصر، تكشف أن هناك مجموعة كبيرة من النساء.. قمن بأدوار مهمة ومؤثرة في تاريخ مصر، وحققن نجاحات ضخمة. بعض الأدوار كانت في الحياة الأكاديمية، وبعضها كان في الحياة الثقافية، فهناك رائدات في كتابة الرواية والقصة القصيرة والشعر بكافة أنواعه، ورائدات في المسرح والسينما والتليفزيون المصري، الذي قام على أكتاف مجموعة من النساء الموهوبات المتميزات.
هناك مهنيات متميزات من النساء في الهندسة المعمارية وفي الطب والصيدلة، ولهن تاريخ كبير. هذه المجموعة الضخمة والمهمة من النساء.. غير معروفة للمصريين، ولا يوجد توثيق واضح لأعمالهن وإنجازاتهن، ولذا تبنت مؤسسة «المرأة والذاكرة».. مشروعاً يقوم بإجراء أبحاث متخصصة حول النساء العربيات عموماً – والمصريات خاصة – وإتاحة المادة للجميع، لتساهم في زيادة الوعي ودعم النساء.
وترى المؤسسة أنها تتطلع إلى مجتمع.. تتحقق فيه مبادئ العدالة، وتكافؤ الفرص للنساء والرجال، بحيث يكون مجتمعاً حيوياً، قادراً على إنتاج معرفة بديلة.. لإعادة تشكيل علاقات القوى في مختلف البنى الاجتماعية؛ بما يعمل على بناء وصيانة الكرامة الإنسانية، في مواجهة كافة أشكال التمييز، ولذا فرسالة «المرأة والذاكرة».. هي رسالة معرفية ثقافية، ترتكز على منظور النوع، وتسعى من خلالها إلى الإسهام الفعال.. في إنتاج معرفة ونشر ثقافة بديلة حول النساء؛ ومن ضمن مهامها إعادة قراءة التراث والتاريخ الثقافي، بهدف تشكيل وعي داعم لأدوار النساء الاجتماعية والثقافية.. في مواجهة الصور السلبية والنمطية السائدة.
وقامت المؤسسة بمشروع لتوثيق النساء الرائدات – اللاتي تعرَّضن للاستبعاد والتهميش.. في عمليات التاريخ الرسمي – عن طريق إعادة طباعة أعمالهن ومحاولة الكشف عن دورهن الفعال وإسهامهن في الحياة الثقافية؛ ويشمل ذلك قدرية حسين ومجهوداتها في الانتماء والقضية الوطنية، ونبوية موسى.. أول فتاة تحصل على البكالوريا عام 1907 ودورها في تعليم المرأة، وقد عقدت «المرأة والذاكرة» في عام 1999 مؤتمراً عنها.. في مكتبة القاهرة الكبرى، وعائشة التيمورية التي عُقد لها مؤتمر عن دورها في الثقافة في مكتبة مبارك بالجيزة. وملك حفني ناصف التي أقيم لها مؤتمر في 1998 في مكتبة القاهرة الكبرى، وقدم لها باحثون دراسات حول أعمالها وأعيد طبع كتابها «النسائيات».
وتقوم «المرأة والذاكرة» ببناء مكتبة تاريخ شفوي للنساء المصريات، وهي في الواقع.. محاولة لإعادة قراءة التاريخ المصري المدون وصياغته من خلال أصوات النساء باعتبارهن مشاركات فاعلات في صنع تاريخ الوطن. ويهدف المشروع إلى نشر هذه الشهادات الشفوية بين الشابات والشباب لمعرفة تاريخ المرأة المصرية، ومن ضمن السيدات الرائدات عزيزة حسين، ووداد متري، وماري أسعد، وكوكب حفني ناصف، وفاطمة موسى، وفضيلة توفيق، وأنيسة الحفني، وشهيرة محرز، ورعاية النمر، وجنفياف سيداروس، وليلى بركات.
وقامت «المرأة والذاكرة» بإصدار مجموعة متميزة من كتابات الرائدات المصريات، وسلسلة «أصوات النساء»؛ وتشمل توثيقاً لذكريات وحياة الشخصيات النسائية العامة، وكذلك مجموعة حكايات متشعبة وقصص خيالية.. من وجهة نظر المرأة. وفي كتب «أوراق الذاكرة»، نشرت كتاب حواء إدريس «أنا والشرق»، وكتاب «النساء والتحليل النفسي» ترجمة د. عايدة سيف الدولة، و«النقد الأدبي النسوي» تأليف د. هالة كمال، و«تاريخي بقلمي» لنبوية موسى.
ودار «المرأة والذاكرة»، تحوي مكتبة رائعة تفيد المهتمين والباحثين وبها كل إصدارات «المرأة والذاكرة»، وعدد كبير من الدوريات والصحف القديمة النادرة المهتمة بالمرأة، منها مجلات صدرت في أوائل القرن العشرين وهي مجموعة نادرة ورائعة.
واستطاعت «المرأة والذاكرة» الحصول على مجموعة المقتنيات الخاصة.. لمصريات قمن بأدوار رئيسية في تاريخ مصر، منهن كوكب حفني ناصف، وليلى دوس، ووداد متري. وقامت المؤسسة بعدة حملات تنويرية.. للحفاظ على حقوق المرأة؛ من حملة «الولاية حقي»، التي بدأت عام 2021، حيث يعتبر القانون كل النساء بغض النظر عن العمر والخبرة العملية أو الحياتية.. ناقصات الأهلية، والقدرة التي تؤهلهن لإدارة شؤونهن الخاصة وشؤون أطفالهن. ودافعت المؤسسة مع جموع المصريين عن حق المرأة.
وقدمت المؤسسة دراسات ودورات تعليمية متخصصة لرفع مستوى المعرفة النظرية عند الشباب، فيما يخص حقوق المرأة. وتقوم المؤسسة بفعاليات ثقافية مهمة يحضرها عدد كبير لمناقشة كتب مهمة داخل المؤسسة بالتعاون مع الجامعات والهيئات المصرية، وتعرض كل شهر فيلماً سينمائياً تكون له علاقة بالمرأة وحقوقها وشؤونها.
شكراً د. هدى الصدة، وشكراً لكل العاملين بـ«المرأة والذاكرة»، وشكراً لكل محبي ورواد «المرأة والذاكرة».
قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك
نقلاً عن «المصري اليوم»