Times of Egypt

شروط نهاية إسرائيل «3 ـ 3»

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

هذه هي المقالة الأخيرة.. من سلسلة تحدثت عن «نهاية إسرائيل» – في وقت تبدو فيه في ذروة منحنى قوتها، ناهيك بغرور هذه القوة – وهي نهاية بُنيت على فكرة حدود القوة والقانون العلمي للتحرر الوطني، غير أنها لا تحدث من تلقاء نفسها، وإنما بفعل قوى اجتماعية وسياسية.. رافضة للاستغلال والقهر الاستعماريين. وقد ناقشت المقالة قبل الماضية.. إنجازات المقاومة الفلسطينية، وحدود هذه الإنجازات.. بسبب الانقسام الذي لازمها منذ نشأتها حتى الآن، وحللت المقالة الماضية تطور الموقف العربي تجاه المقاومة.. من التأييد المطلق إلى اللفظي، فالاعتراض من بعض الدول العربية عليها.

وأختتم اليوم بتحليل المواقف الدولية – وهي أضعف الأبعاد في حركة التحرر الوطني الفلسطيني – فإذا كانت المقاومة قد حققت إنجازات حقيقية.. رغم انقسامها، والدعم العربي قد أثمر.. ولو في مرحلة معينة، فإن المواقف الدولية – منذ البداية – كانت إما شديدة الانحياز للمشروع الصهيوني.. وثمرته إسرائيل، أو داعمة للأطراف العربية.. التي كانت تواجه إسرائيل، وإن تأثر هذا الدعم – بطبيعة الحال – بتغير المواقف العربية، والمتغيرات الدولية على نحو ما سيجيء. ويرجع السبب في هذا التأييد الدولي الواضح للصهيونية وإسرائيل، إلى الوعي الواضح للحركة الصهيونية – منذ بدايتها – بحدود قدراتها الذاتية، وبأنه لن يكون بمقدورها تحقيق أهدافها.. اعتماداً على هذه القدرات وحدها، ومن ثم كانت إقامة علاقات عضوية مع القوى الكبرى في النظام الدولي.. هدفاً معلناً للحركة منذ مؤتمرها الأول في 1897، وأثمر هذا «إعلان بلفور» 1917 – الذي تعاطفت فيه الحكومة البريطانية مع فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين – فلما أقرت عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين 1922، فتحت تلك الحكومة أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية، وهي الهجرة التي أحدثت نوعاً من التوازن التدريجي.. بين أهل فلسطين من العرب والمستوطنين اليهود، كما أسست البنية التحتية للدولة اليهودية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

وفي اللحظة المناسبة، انسحبت القوات البريطانية من فلسطين.. بما مكن من إعلان الدولة اليهودية في 15 مايو 1948، وسرعان ما حلت الولايات المتحدة – التي تولت قيادة التحالف الغربي بعد الحرب الثانية – محل بريطانيا في دعم إسرائيل، فلم تخذلها لمرة واحدة.. رغم تغير الرؤساء والانتماءات الحزبية، اللهم إلا في المرة اليتيمة.. التي أصر فيها الرئيس أيزنهاور على انسحاب إسرائيل من سيناء وقطاع غزة في 1957، ولم يكن ذلك انتصاراً للعرب، وإنما احتجاجاً على التصرف المنفرد لإسرائيل وبريطانيا وفرنسا.. بالعدوان على مصر من وراء ظهره، وقد تردد – في الآونة الأخيرة – الحديث عن خلافات بين ترامب ونيتانياهو.. كانت لها مؤشراتها الواضحة، غير أن الفيتو الأمريكي الأخير ضد مشروع قرار بوقف إطلاق النار في غزة، وافق عليه باقي أعضاء مجلس الأمن الـ 14، والتواطؤ الأمريكي الإسرائيلي الحالي على ضرب إيران.. كان كاشفاً لزيف أي حديث عن خلاف أمريكي-إسرائيلي حقيقي.

أما القوى الكبرى الأخرى، فقد تميَّز من بينها الاتحاد السوفيتي.. بدعمه الدول العربية التي واجهت إسرائيل منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.. حتى حرب أكتوبر 1973، غير أن بدء التسوية السلمية للصراع في النصف الثاني من السبعينيات، وتفكك الاتحاد السوفيتي ذاته.. غيَّرا الموقف جذرياً، كذلك نجحت إسرائيل – تطبيقاً لمبدأ العلاقات القوية مع كل القوى الكبرى – في تحويل الموقف الصيني من موقف شديد الثورية.. انتصاراً للحق الفلسطيني، إلى موقف متوازن.. يوافق على حل الدولتين، ولا يفعل شيئاً لتطبيقه. ولو كان لحرب إسرائيل على غزة – التي تقترب الآن من السنتين أمداً – من دلالة، فهي أن قيادة النظام العالمي – على الأقل فيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي – ما زالت أحادية القطب بامتياز؛ فقد عجزت كل المواقف الأوروبية والروسية والصينية، المؤيدة لفظياً للحق الفلسطيني.. عن وقف العدوان الوحشي على غزة طيلة هذه المدة.

ومن حق الكثيرين أن يتساءلوا: كيف الحديث عن نهاية إسرائيل، بعد كل ما سبق ذكره من انقسام فلسطيني، وتراجع في التأييد العربي للمقاومة.. بل واعتراض عليها، وموقف دولي: إما منحازاً انحيازاً مطلقاً لإسرائيل، أو رافضاً لسياساتها لفظياً؟ 

والإجابة.. هي تكرار التذكير بخبرة التاريخ ودروسه، فيما يتعلق بتآكل الظاهرة الاستعمارية، والإنجازات اللافتة للمقاومة عموماً.. والمقاومة الفلسطينية خصوصاً؛ وبالذات إجبار إسرائيل على الانسحاب التام، من الشريط الحدودي في جنوب لبنان 2000، ومن غزة 2005، ناهيك بتفكيك المستوطنات القريبة منها، وتداعيات حلقات المقاومة الممتدة في غزة؛ منذ عدوان 2008 حتى «طوفان الأقصى». 

مع العلم بأن بعض هذه التداعيات.. يبدو واضحاً الآن داخل إسرائيل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وخارجها في تحولات المواقف الدولية – وبالذات الأوروبية – بعد أن وصل الإجرام الإسرائيلي لذروة غير مسبوقة، مع العلم بأن أحد العوامل الحاسمة في انهيار النظام العنصري في جنوب أفريقيا – والنظم المشابهة له.. في تسعينيات القرن الماضي – كان فقدان هذه النظم الدعم الغربي. كما أن ثمة تداعيات أخرى لملحمة المقاومة في غزة، من المؤكد أنها ستظهر لاحقاً.. على الساحات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والإقليمية والعالمية.

ولنقارن الحال العربي بعد 1948.. بالمد القومي العارم في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، بل إني أختم بالقول.. إن ما يبدو الآن من غطرسة إسرائيلية في مواجهة إيران، يُعد – من المنظور التاريخي – تطوراً نموذجياً في طريق تآكل القوى الاستعمارية، التي لم يسبق لأي منها أن وصل من قبل.. إلى ما وصلت إليه إسرائيل الآن؛ بتحولها إلى دولة للقتل والاغتيال، تحكمها قيادات غبية.. لا ترى أبعد من مواقع أقدامها، ولا تدرك أنها تُرسخ صورة لإسرائيل.. كدولة تمثل خطراً على الجميع؛ بعقيدتها الأمنية التي تحدد المخاطر، وتصدر أحكام القتل والتدمير؛ غير مدركة أنها تؤسس – بذلك – لصراعات ممتدة.. لن تنتهي إلا بتصفية كيان العدوان، وإن غداً لناظره قريب.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة