Times of Egypt

شروط نهاية إسرائيل (2 ــ 3)

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

هذه هي المقالة الثالثة في سلسلة حديث «نهاية إسرائيل» التي بدأتها الأسبوع قبل الماضي، ثم بدأت الأسبوع الماضي تناول شروط هذه النهاية.

أحاول وضع القارئ الكريم في السياق العام للمقالات، لأني لا أفترض أنه يتابعها بانتظام، ولذلك فمن حق قارئ هذه المقالة فقط.. أن يعرف سياقها العام.

كانت رسالة المقالة الأولى.. أن نهاية إسرائيل حتمية؛ ليس انطلاقاً من نبوءات دينية.. لا قدرة لي على الفصل فيها، ولا خبرات تاريخية عن نهاية كيانات يهودية سابقة، بعد مدد لم تتجاوز الثمانية عقود أبداً، وإنما انطلاقاً من خبرات تاريخية؛ أكدت فكرة حدود القوة، وأن ثمة لحظة تاريخية.. تُغفِل فيها القوة التوسعية أو الاستعمارية حدود قوتها، فيبدأ تآكلها. وكذلك من تجارب حركات التحرر الوطني العالمية، التي انتهت كلها لمصلحة القوى المقاومة للاستعمار. وكان ثمة تأكيد أن نهاية إسرائيل.. لا تعني تصفيتها ككيان مادي، وإنما تصفية بنيتها العنصرية.. كحالة جنوب أفريقيا. كما أنها ليست توقعاً للمدى القصير، وإنما نبوءة تاريخية.. لن يشهدها جيلي، وإنما تشير التطورات الأخيرة، إلى أن الأجيال الشابة حالياً.. قد تشهدها، واختتم التحليل بأن تآكل الظاهرة الاستعمارية لا يحدث تلقائياً، وإنما بفعل قوى اجتماعية وسياسية.. تعمل على تحقيق هذه الغاية.

ومن ثم فإن لنهاية إسرائيل شروطاً، تناولت المقالة الماضية أولها: وهو وجود مقاومة فلسطينية. واستعرضت استدامتها، وتنوع أساليبها، ومعاناتها من الانقسام. ومع ذلك قدرتها على تحقيق إنجازات لافتة؛ لعل أبرزها إجبار إسرائيل على الانسحاب من غزة في 2005، وتفكيك المستوطنات المحيطة بها.. في أول سابقة من نوعها، والتداعيات التي نشهدها حالياً لعملية 7 أكتوبر 2023؛ سواء على الداخل الإسرائيلي، أو في الساحة الدولية. وتتناول مقالة اليوم الشرط العربي والإقليمي.. في معادلة تصفية الاستعمار الصهيوني لفلسطين.

منذ اللحظة الأولى لتبلور المشروع الصهيوني في فلسطين، كان هناك احتضان عربي للقضية الفلسطينية، وإن نُسب للنداء.. الذي وجَّهه الحكام العرب للثوار الفلسطينيين في أكتوبر1936، دور في إجهاض الثورة. ومع ذلك، فقد شاركت الدول العربية المستقلة – آنذاك – في حرب 1948.. في محاولة لم تنجح لوأد دولة إسرائيل. كذلك رعت مصر – بعد ثورة يوليو 1952 – حركة للمقاومة في غزة، كان لتداعياتها دور في مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر1956. وكردِّ فعل للمشروعات الإسرائيلية لتحويل مجرى نهر الأردن – في مطلع ستينيات القرن الماضي – دعا عبد الناصر لقمة عربية عاجلة.. عُقدت في القاهرة في يناير 1964، ومثلت قراراتها نقلة نوعية في الدعم العربي الرسمي للنضال الفلسطيني، وتمثل هذا في اتخاذ أولى الخطوات لتأسيس الكيان الفلسطيني.. الذي ما زال يمثل الشعب الفلسطيني حتى الآن؛ وهو منظمة التحرير الفلسطينية – التي أُعلنت رسمياً في قمة الإسكندرية في سبتمبر من العام نفسه (1964) – كما دعمت القمة قرار المنظمة بإنشاء جيش تحرير فلسطين، ومثَّل هذا ذروة الدعم العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، كما مثَّل الحفاظ على المقاومة الفلسطينية.. بُعداً رئيسياً في السياسة العربية آنذاك، باعتبار هذه المقاومة رقماً أساسياً في معادلة إزالة آثار عدوان يونيو 1967.

وكان أبرز المؤشرات في هذا الصدد، عقد أسرع قمة – في تاريخ القمم العربية – في القاهرة سبتمبر 1970، التي دعا إليها عبد الناصر لتطويق الصدام – الذي تفجَّر آنذاك – بين المقاومة الفلسطينية والسلطة الأردنية، وانتقل إلى رحاب ربه فور انتهائها. وقد استمر الدعم الرسمي العربي للمقاومة الفلسطينية – ممثلة في منظمة التحرير – مع ملاحظة أن هذا الدعم بات مقتصراً على الدعم اللفظي.. وأحياناً المالي – الذي لا يتم الالتزام به كاملاً – كما اعتبر البعض قرار قمة الرباط عام 1974 باقرار منظمة التحرير الفلسطينية «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني».. نوعاً من إبراء الذمة العربية من القضية الفلسطينية، وإن كانت قرارات القمة لا تقطع إلا بالمعنى الضمني؛ الخاص بمسؤولية المنظمة عن الضفة الغربية.. التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من الأردن.

غير أنه يمكن القول.. أنه اعتباراً من العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006 – بصفة خاصة – بدأ يتبلور موقف لدى بعض الدول العربية؛ مفاده أنه ليست كل مقاومة ضد إسرائيل.. تستحق الدعم دون قيد أو شرط، فقد اعترض بعض الدول العربية على عملية «حزب الله».. التي ردَّت عليها إسرائيل بعدوانها الشهير. وعلى الرغم من أن مجلس وزراء الخارجية العرب قد تبنى وجهة النظر هذه – بشكل أو بآخر – فإنه يمكن القول إن الدعم الشعبي العربي الواضح للمقاومة، قد صحح هذا الموقف من قبَل النظام الرسمي العربي.. في الاجتماع الطارئ للمجلس الوزاري الذي عُقد لاحقاً في بيروت، واختفت منه نبرة الانتقاد للمقاومة، وإن ظهر موقف الاعتراض على المقاومة مجدداً.. في جولتها الأخيرة اعتباراً من 7 أكتوبر 2023، ويجد هذا الاعتراض تفسيره في سببين؛ أحدهما أيديولوجي: وهو الاعتراض على المرجعية الإسلامية للمقاومة – سواء كانت سنية كما في حالة حماس والجهاد، أو شيعية كحزب الله – ولا يميز المعترضون بين التناقضات الثانوية.. بينهم وبين هذه الفصائل، والتناقضات الرئيسية التي يُفترض أن تجمعهم معاً ضد إسرائيل. أما السبب الثاني: فهو علاقة هذه الفصائل بإيران؛ وهي علاقة اضطرت إليها (تلك الفصائل).. بسبب غياب الدعم العربي، مع التسليم بأن لإيران بالتأكيد.. أهدافها الذاتية من وراء هذا الدعم.

والمحصلة، هي ما شهدناه – عبر ما يقترب من سنتين الآن – من أن المواقف العربية الرسمية.. اقتصرت على إدانة الأعمال الإسرائيلية، واستمرار موقف الاعتراض على المقاومة.. من قِبل البعض، ولم تشذ سوى مواقف قليلة؛ لعل الموقف المصري أبرزها، وذلك بتقديم معظم المساعدات لغزة – عندما كان ذلك ممكناً – والتوسط الفعال في التوصل لوقف إطلاق النار، وتبنِّي موقف موضوعي تجاه الفصائل الفلسطينية كافة.. يساعد في تحقيق المصالحة، وليس زيادة الانقسام. والأهم من ذلك كله، التصدِّي الفعال لمخطط تهجير أبناء غزة؛ الذي أعلن الرئيس السيسي – منذ البداية.. بحسم – أن مصر لا يمكن أن تقبله؛ سواء لأن هذا القبول يعني تصفية القضية الفلسطينية، أو لأنه يعرِّض الأمن المصري لمشكلات متعددة الأبعاد.. على النحو الذي يعرفه الجميع. ولا شك في أن هذا الموقف الواضح، لم يلقَ استحسان أطراف دولية نافذة، لكن هذه هي قيمة السياسة المصرية.. التي بات الجميع يعرفها، والتي تقوم على مبادئ لا يمكن التفريط فيها.

الخلاصة، أن الرقم العربي – بحالته الراهنة بصفة عامة – لا يمكن أن يكون فاعلاً في معادلة التحرر الفلسطيني. وبالتالي فإن الاعتماد الأساسي – في هذا الصدد – على صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، (وهو صمود يقترب حثيثاً الآن من السنتين)، والقدرة على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.. مع الاستفادة من المصادر الممكنة للدعم العربي.

ويبقى استكشاف الشرط الثالث لنهاية إسرائيل؛ وهو المتعلق بالساحة العالمية، وهي ساحة تستحق نقاشاً جاداً وصريحاً، وهو ما سأختتم به هذه السلسلة.. في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة