Times of Egypt

«شدي شدي.. لكن لا تقطعي»  

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

في عام 2016، طلبت المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل نصيحة البابا فرانسيس.. عن كيفية التعامل مع رجال يتحركون وفقاً لعقلية الفائز والخاسر. أدرك بابا الفاتيكان أنها تتحدث عن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. قال لها البابا: «شدي شدي.. لكن لا تقطعي».  

ترامب – بحسب ميركل – يرى العالم من منظور تاجر العقارات، وهي مهنته قبل الرئاسة. توضح فكرتها قائلة: «من الطبيعي عند عرض قطعة أرض للبيع، أن يشتريها أحد الأشخاص، لكن ترامب يعتقد إنه إذا لم يحصل هو عليها.. فإن من اشتراها منافس أو خصم له. هذه نظرته للعالم». 

في مذكراتها بعنوان: «الحرية» – التي نشرت صحف ألمانية وبريطانية مقتطفات منها، قبل أن تصدر رسمياً فبراير المقبل – لم تستهدف ميركل تصفية حسابات مع الزعماء والسياسيين الآخرين بالداخل والخارج. عندما تعلق الأمر بمن أهانوها – وهم كثيرون – التزمت بشعار منسوب للعائلة المالكة البريطانية: «لا تشرح أبداً ولا تشتكِ أبداً». 

لامت نفسها.. عندما رفض ترامب – في أول لقاء بينهما – مصافحتها أمام الكاميرات. لقد افترضت أن الرئيس الأمريكي شخص طبيعي.. لا يتلذذ بإحراج الآخرين، فمدت يدها. لكنه لم يكن كذلك.  

يانيس فاروفاكيس – وزير المالية اليوناني الأسبق والمفكر اليساري البارز – أشبعها شتائم وانتقادات واتهامات.. خلال أزمة إفلاس بلاده عام 2010، لكنها.. لم تذكر اسمه مرة واحدة في مذكراتها. كانت ملء السمع والبصر.. خلال توليها منصبها. لقَّبها البعض بملكة أوروبا وأقوى امرأة في العالم. أوباما وصفها بأنها زعيمة العالم الحر. 

تمتعت ميركل – طيلة سنوات حكمها – بشعبية كبيرة.. في الداخل والخارج. لكن بعد تركها الحكم.. وفوز الحزب الاشتراكي (المعارض سابقا) بالسلطة، انخفضت شعبيتها بشدة. قال سياسيون ألمان وغربيون.. إن خياراتها الكبرى لم تكن صائبة. كان أحد أهم قراراتها.. فتح حدود بلادها أمام اللاجئين السوريين عام 2015. وزير داخليتها هورست زيهوفر.. زعم أن قرارها أدى إلى طغيان الظلم، مما وضع ألمانيا – تحت قيادتها – على قدم المساواة مع ديكتاتورية ألمانيا الشرقية سابقاً. جرى اتهامها.. بأنها وثقت – أكثر من اللازم – في بوتين، وزادت من اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي. 

كانت وجهة نظرها، أنه.. من المهم عدم إشعار الدب الروسي بأن أنيابه «تلخلخت»، وأن روسيا لم تعد قوة دولية بل إقليمية؛ كما ادعى أوباما. حاولت أن تقيم حواراً وعلاقة سياسية.. مع بوتين.عرقلت انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلنطى 2008؛ لأن بوتين كان سيعتبر ذلك إعلان حرب، وانتقدت دول أوروبا الشرقية.. التي تمنت محو روسيا من الخريطة.  

… بعد شهرين من استقالتها، في ديسمبر 2021، غزا الزعيم الروسي أوكرانيا (فبراير 2022). حمَّلها زعماء غربيون جزءاً من المسؤولية، واتهموها بمهادنة بوتين.. الذي لا يعرف سوى لغة القوة. 

هل من العدل تحميلها مسؤولية الفوضى الحادثة الآن في التحالف الغربي؟ والقول إنها نتاج سياساتها؟ يرد فيليب ألترمان – مدير مكتب صحيفة الجارديان في ألمانيا – بأن لديها صفات.. ليست متوافرة في معظم السياسيين الحاليين؛ وهي القدرة على تحمل المسؤولية. لا يعنى ذلك أنها توافق منتقديها على اتهاماتهم، لكنها تدرك.. أنها تتشارك المسؤولية عما حدث. كانت مدفوعة بروح براجماتية، وقدرة على بناء التحالفات، والتوصل إلى حل وسط. تؤمن بمقولة: «أنا أتصرف عندما أستطيع وليس عندما أريد». نحن أمام مذكرات لزعيمة.. تركت بصمة مهمة في التاريخ الألماني والأوروبي، لكنها لا تحب التفاخر، والحديث عن نفسها.. باعتبارها صانعة التاريخ. بل إن كُتاباً ألماناً.. وصفوا المذكرات بأنها مملة، وغارقة في التفاصيل، وتفتقد للحبكة الأدبية والفنية.. التي تجذب القارئ. 

الشهر قبل الماضي، أصدر بوريس جونسون – رئيس الوزراء البريطاني الأسبق – مذكراته بعنوان: «إطلاق العنان».. التي غلب عليها تقريباً فكرة واحدة: «لست أنا. ليس ذنبي. إنه ذنب الآخرين».  

عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية، يتهرب منها.. ويلقي اللوم على الآخرين.  

أصر على أنه تعامل مع وباء كورونا بالشكل الصحيح، رغم أن عشرات الآلاف توفوا، وأصيب مئات الآلاف.. نتيجة قراراته العشوائية.  

يؤمن بأنه.. ضحية بريئة لمكائد وخيانات زملائه في الحزب ووزرائه. يكتب في مذكراته: «هل كانت هناك مؤامرة؟. بالتأكيد. كثيرون كانوا يتآمرون منذ زمن بعيد، بعضهم بدأ منذ توليت السلطة».  

لم يعترف إلا بما وصفه بالهفوات، بينما كانت الأخطاء مهلكة.. لدرجة أن معظم وزرائه استقالوا، مما اضطره للتخلى عن المنصب. 

بعد أن انتهى ألترمان من قراءة مذكرات ميركل، تساءل: «هل البشر الطيبون.. تلقائياً صُناع قرار جيدون؟  

نحن نسأل سؤالاً عكسياً: «وهل البشر المتمركزون حول ذواتهم، والذين ينسبون كل نجاح لأنفسهم فقط، هم أيضاً صُناع قرار جيدون؟». 
 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة