أمينة خيري
في المقال الأخير – من سلسلة التطرف – ألخص أفكاريعن المسألة.. التي قد تحتمل الخطأ أو الصواب. فالتطرف فكرة.. لا ترتبط بالسياسة أو الدين أو الرياضة – أو غيرها – فقط، لكنها حالة نفسية وعصبية واجتماعية.. غارقة في الابتعاد عن الوسطية، والإغراق في الأفكار والمفاهيم الشاذة والمفرطة في النرجسية. يتصور المتطرف.. أنه وحده من يملك الحقيقة، وكل من عداه ضال أو غبي أو جاهل. والمتطرف لا يسير في الشارع بالضرورة.. حاملاً «سكيناً أو كلاشينكوفاً»، لكنه يحمل سكيناً رمزياً، يذبح به أفكار الآخرين ومعتقداتهم وانتماءاتهم، ويصوب كلاشينكوفه المتعصب – من كراهية وازدراء ورفض وتحقير وسخرية – على كل من يتحدث أو يعكس أو يمثل.. فكراً غير فكره.
اعتقادي أن التطرف لم يكن صفة أو سمة أو ظاهرة في مصر.. حتى سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي وصلنا فيها التطرف.. عبر نسخة مختلفة ومختلة ومحرفة من الدين. مصر قبل السبعينيات لم تكن دولة كافرة أو ضالة، والمصريون لم يُعرفوا يوماً بالانغلاق أو الرجعية، أو التمسك بالخرافات العنصرية، أو الضلالات الفكرية. العكس هو الصحيح.
وقد تُرك هذا الشكل من التطرف – المرتدي رداءات الدين – ينمو ويزدهر ويتوسع ويتغلغل في ربوع المجتمع، لأسباب عدة تحتاج عدداً من أطروحات الدكتوراة.. للشرح والتفنيد، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.
أرى أن تطرفاً جمعياً ضربنا، وتحوَّل التطبيع معه وقبوله واعتناقه وتوريثه من جيل إلى جيل.. من أمر شاذ مرفوض، يستدعي التدخل للعلاج والإنقاذ، إلى الواقع الجديد والوضع الطبيعي المعتاد.
ببساطة، صار التطرف أسلوب حياة. وانتقلنا لـ«ليفل الوحش»؛ حيث تُبذل الجهود وتُتخذ الخطوات لا لاجتثاثه من جذوره (فكرياً لا أمنياً)؛ بل لتقليمه حيناً، ورعايته حيناً والتعايش معه.. طيلة الوقت.
رأيي، أن ما يُبذل من جهود – نسمع عنها بين الحين والآخر في هذا الشأن – هو تقليم شجرة التطرف، أو تعليق زينات عليها، أو ريها بمكملات غذائية للتربة.
في القضاء – وضماناً لتحقيق العدالة، والتأكد من حياد القاضي واستقلاله – يتنحى عن نظر قضية.. في حالات أبرزها أن يكون أحد خصوم الدعوى.. ذا صلة أو قرابة أو معرفة اجتماعية، قد تحول دون تحقيق مبادئ العدالة والحياد، ولو حتى كان القاضى يعتريه «شعور»..بأنه سيلقي مشاعره على جنب.
وكلما تُرِك التطرف يرتع ويستشري، صعبت مهمة مواجهته، وعلاج الجذور المريضة، والعمل على استدامة صحة الأفرع الجديدة.
تبدأ الصعوبة – كما ذكرت – من مرحلة التطبيع مع التطرف، وخروج أجيال إلى الحياة.. وهي تعتقد أن التطرف هو أسلوب الحياة العادي والمتوقع، وتساقط الأجيال القديمة.. التي عايشت وعاصرت الحياة، قبل أن تقع فى قبضة التطرف والمتطرفين، وتنتهي الصعوبة.. مع تمكُّن التطرف – كفكرة وأسلوب حياة – من الجهات والأطراف المسؤولة عن إدارة شؤون المجتمع: الأسرة، والمعلم، والمدرسة، ورجل الدين، والإعلام، ومؤثرى السوشيال ميديا.. والقوس مفتوح.
نقلاً عن «المصري اليوم»