Times of Egypt

سير ووجوه وأوجه (3).. أن تكون نفسك

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص

(1)

«رحلة تصالح مع الحياة»

«مذكرات صلاح دياب: هذا أنا»، هي سيرتنا الثانية في سلسلة: سير ووجوه وأوجه؛ ينطلق صاحب المذكرات/السيرة (على مدى عشرة فصول في 400 صفحة) في سرده من «منصة حكي» تعتمد الشفافية والصدق حول مساحات الحركة، التي تحرك فيها على مدى حياته «الثمانينية»؛ حيث تعتبر كل مساحة عالماً قائماً بذاته. إلا أن التعدد والتنوع في مساحات الحركة.. قد شكل – في المحصلة – خبرات وتجارب ثرية.. في حياة الأستاذ صلاح دياب، مكَّنته من أن يعيش حيوات عدة. ما دفع السارد القول بفضل محصلة تلك المساحات/الحيوات العديدة، أن يقول في المقدمة بأنه: «عاش أكثر من حياة: كطالب، ومزارع، وتاجر، وحلواني، ومطور عقاري، وناشر، وكاتب، وأول منتج عربي في إنتاج خام النفط…». 

كما ينهج الأستاذ «صلاح دياب» – في حكيه – على «أن يكون نفسه» كما هي؛ دون تجميل أو تفخيم أو تقديس. ولعل مفتاح ما سبق، يلخصه عنوان المذكرات/السيرة: «هذا أنا»؛ إذ إن من الطبيعي، أن يكون المرء نفسه. إنها الفكرة المحورية التي يقدم بها السارد سيرته، حيث استهلها بنص مقتطف من كتابات «ألبير كامو» يقول فيه: «أن تكون مختلفاً عن الآخرين. فهذا ليس جيداً ولا سيئاً، بل يعني فقط أن لديك ما يكفي من الشجاعة لتكون على طبيعتك». وإدراك أن حياة الإنسان ليست مثالية، ولا تسير في خط مستقيم، أو وفق مخطط سابق التجهيز، فلقد مُنح الإنسان الحياة.. كي يكتشفها ما دام حياً. 

لذا يستهل صاحب المذكرات تقديمها.. بقوله: «أمضيت في هذه الحياة ثمانين عاماً، محاولاً فك طلاسمها. احتفظت بهوامش وملاحظات.. أكثر منها مذكرات. فزت فيها بنجاحات.. تحققت، ومُنيت بإخفاقات صادفتني.. فلم أقنط، مررت بأوقات الفرح وأوقات الحزن والأسى. مفارقات جعلتني أبكي من الفرح، وأخرى جعلتني أضحك مقهقهاً.. في وجه الزمان العبوس. حاولت فيها جاهداً أن أكون منصفاً. كيف أتحول إلى رجل صالح؟ كيف أجد لهذه الحياة معنى؟ كيف أصبح أكثر شمولاً؟». ومن ثم جاءت المذكرات/السيرة.. باعتبارها عربون «تصالح» مع الحياة.. بما فيها من «دروس وعبر قد تفيد من يقرؤها».

(2)

«الجذور والانطلاق»

في ضوء روحية المذكرات: الطبيعية والتصالح والشفافية والتوضيح؛ جاءت فصول المذكرات العشرة. صحيح لم تلتزم بنية المذكرات – بشكل صارم – بالتسلسل الزمني لمراحل حياة كاتبها.. ما عدا الفصلين الأول والثاني؛ حيث أفاض بالحديث في الأول عن أسرته، وأثر ما سماه «الجذور».. على «تكوينه». ومدى صلابة هذا التكوين.. بفعل أمرين – في نظري – هما: الأول: التماهي مع الوطنية المصرية المبكرة.. لجده «الأميرلاي موسى دياب» مطلع القرن التاسع عشر، التي بلغت ذروتها بالانحياز إلى الثورة العرابية، وكاد جده أن يدفع حياته ثمناً لها. الثاني: التكوين الثقافي الذي وفرته الأم.. «المُغرمة بالشعر والموسيقى» من جهة. ومن جهة أخرى، جده الكاتب الصحفي والمفكر واللغوي الضليع والبرلماني «توفيق دياب»، الذي أسس جريدة الجهاد.. وفدية الهوى، وكان من أبرز معارضي «إسماعيل صدقي باشا».. ما عرَّضه للحبس، كما رفض لقب الباشوية.. عندما أصبح عضواً بمجلس النواب. وربما كان لهذا التكوين المزدوج تأثيره، في أن يلتحق – بطل المذكرات لاحقاً – بالفنية العسكرية.. التي تزاوج بين الدراسة المدنية والعسكرية. 

أما في الفصل الثاني المعنون: «التعريف الشخصي للأرستقراطية» فنجده يعرض للحياة الأرستقراطية التي عاشها – وتعايش معها – بجوانبها فيما أطلق عليه: الأرستقراطية الاجتماعية، والأرستقراطية الريفية، والأرستقراطية العسكرية الأكاديمية، فأرستقراطية الليل، وأرستقراطية البيزنس، وأرستقراطية الفكر. إذ إن الأرستقراطية لدى صلاح دياب.. تتجاوز معناها المتعارف عليه؛ بأنها «الطبقة الاجتماعية التي في قمة النظام الاجتماعي للمجتمع… والتي تنطبق على طبقة النبلاء فقط»، إلى أنها «التعايش مع الكثير من الأرستقراطيات» الأخرى. يغطي الفصل الثاني مرحلة ممتدة من عمر صاحبها تقترب من الثلاثين عاماً أي من مطلع الخمسينيات إلى مطلع الثمانينيات. 

ولعل من أهم ما تناوله صاحب السيرة – في هذا الفصل – قصة إخفاقه في الاستمرار في الكلية الفنية العسكرية، إذ لم يستطع الالتزام بالانضباط المطلوب، ومن ثم التحاقه بكلية الهندسة وانخراطه، الذي «استعاد به الثقة» لدى نفسه والأسرة، في العمل بالمشروعات المهولة التي كانت تقام في الستينيات من القرن الماضي. وهو ما ساهم في تغييره كلياً من ناحية، واكتسابه براعة كسب المال من ناحية ثانية، واندماجه في الحركة الطلابية التي انطلقت عقب محاكمات 1968 من ناحية ثالثة. وكلها خبرات ثرية جعلته ينطلق في تقييمه للأشخاص والوقائع.. من الواقع والحقائق المادية. ولعل رأيه مثلاً في الحقبتين الناصرية والساداتية.. كان نموذجاً على الإنصاف والموضوعية.

(3)

«كيف يكون المرء نفسه؟»

ومن الأرستقراطيات المتنوعة.. التي تعايش معها من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين، نجد السارد يقفز – في سرده بالزمن – إلى منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ حيث بات عليه العيش مع أرستقراطية من نوع جديد.. مؤلمة؛ مع رواد عالم الجريمة، عندما تعرَّض لتجربة السجن مرتين. وفي هذا الفصل يستعرض التجربة تفصيلاً من جميع جوانبها. ثم ينتقل من الفصل الرابع إلى العاشر والأخير.. ليحكي على الترتيب: قصة جريدة «المصري اليوم»، التي أراد لها أن تكون مشروعاً وطنياً، حيث «تجربة جريدة الجهاد.. لا تزال حاضرة في ذهنه، وذلك منذ التأسيس إلى يومنا هذا، وما تعرضت له من شائعات وما حقيقتها». كذلك قصة عامود «نيوتن».. الذي كان يسطره يومياً، في الفصل الرابع. 

ثم في الفصل الخامس، يستعرض علاقاته «الممتدة والأثيرة إلى نفسه.. مع مجتمع الفكر والثقافة». وتحت عنوان «حكايات السبع صنايع»، يروي المهندس «صلاح دياب» تفصيلاً – في الفصل السادس – ما أطلق عليه «الفرص والصدف». تلك الصدف، التي حوَّلها إلى فرص.. بالخيال، والعمل في مجالات «البيزنس» المختلفة التي خاضها. أما الفصلين السابع والثامن، فإنه يخصصهما للحديث عن الحكام والسياسيين في حياته، والشخصيات العربية والعالمية التي عرفها. أوعن الفصل التاسع، فقد خصصه لاستعراض أفكاره ورؤاه وتأملاته – «التي شغلته، ومازالت – فيما يتعلق بالشأن الخاص والشعبي، والشأن العام.. في مصر والعالم مثل: انتفاضتا يناير.. السبعينيات، و2011، ومعنى التغيير، وشبح النهضة، والطريق إلى 30 يونيو، والأجسام المضادة للنجاح… إلخ. 

وأخيراً يأتي ختام السيرة/المذكرات.. ليحكي عن «مشروع العمر»، الذي «حقق فيه نجاحاً واقعياً يعتز به».. ألا وهو «مشروع العائلة». 

وبعد، لم يكن المهندس «صلاح دياب» – في كل ما رواه – إلا نفسه، أو حسب خاتمته.. بأن كل «ما قمت به» في حياتي، جاء «وفقاً لطريقتي وأسلوبي»، إذ إن «الحرية الحقيقية» هي عندما «ينطق الإنسان بما يشعر به حقاً»..

… هكذا يكون المرء نفسه.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة