سمير مرقص
(1)
«منصة لحكي الحياة الخاصة – العامة»
تحمل السيرة الذاتية عموماً.. زخماً كبيراً، مهما كان حجمها ومجال حركة صاحبها.. ذلك لأنها تعكس أمرين، هما.. الأول: اجتهاد صاحب السيرة، قدر الإمكان، أن يقدم خلاصة ما مر به من خبرات عبر حياته الخاصة/العامة. وبقدر ما كان صاحب السيرة متعدد الخبرات، ومتنوع التجارب.. بقدر ما يزداد زخمها ومن ثم فوائدها. الثاني: كشف ما خفي عن القارئ العام، والقارئ الخاص.. حول صاحب السيرة من جانب، وعن الدوائر التي تحرك فيها.. بما تتضمن من شخصيات أخرى، وكيانات ومهمات من جانب آخر.
وفي المحصلة، تصبح السيرة الذاتية – حسب المعجم الكوني للأدب (1876) – «كل نص.. يسعى فيه مؤلفه إلى التعبير عن حياته»، وما بها من مشاعر وعلاقات ومآثر، وأخطاء ونضالات ونجاحات وإخفاقات…». وعليه، لم يكن مخطئاً من وصف السيرة الذاتية بأنها: «مَحكى الحياة»؛ وإن شئنا أن نصفها بلغة الزمن الرقمي، فيمكن أن نطلق عليها: «منصة المرء لحكي حياته الخاصة/العامة».
(2)
«الوجه الحقيقي لصاحب السيرة وأوجه مساهماته الحياتية»
تتيح «منصة الحكي» – عبر الحياة الخاصة والعامة لصاحب السردية – الكشف لقارئها عن الوجه الحقيقي لصاحب السيرة – بدرجة أو أخرى – من جهة. كذلك عن أوجه الحركة المختلفة، التي انخرط فيها عبر مراحل العمر المتعاقبة. ومن ثم تتكشف الوجوه المختلفة لصاحب السيرة الذي – ربما – يكون عاش أسيراً لوجه واحد.. فرضته عليه الظروف، أو خاضعاً لتصنيف الآخرين له؛ ما جعلهم – حصرياً – يرونه من خلال وجه واحد رسموه له.
كما تكشف السيرة الذاتية أيضاً، عن المساهمات التي قد يكون صاحب السيرة الذاتية قد أدّاها.. عبر المساحات المرئية وغير المرئية، التي يكون صاحب السيرة قد تحرَّك فيها.. على مدى عمره. وفي هذا المقام، أشير إلى تجربة خاصة، أذكرها للتدليل على أن كتب السيرة الذاتية والمذكرات.. من شأنها أن تغير الكثير مما كان راسخاً حول الشخص. ففي نهاية التسعينيات، طالعت كتاب الدكتور بطرس غالي (الأمين العام للأمم المتحدة) المعنون: «طريق مصر إلى القدس- 1997»، فوجدتني – بعد أن قرأت الكتاب في زمن قياسي – أنني أمام رجل.. غير ذلك الذي يطل علينا في الإعلام. أخذاً في الاعتبار أننا من جيل، كان لديه الكثير حول «الدكتور بطرس». بيد أن كتاباته ومواقفه في الأمم المتحدة، كشفت عن جانب عن وجه آخر.. غير الذي كنا نراه من خلاله. كذلك أكدت أن السياق، له دور كبير في دفع الشخص، إلى أن تزداد درجة مساهماته من جانب آخر.
وقد تأكد لي – مما سبق – أن هناك بطرس غالي.. غير المُقدَّم في الإعلام. وعندما تعاملت معه مباشرة – إبان عضويتي بمجلس حقوق الإنسان – الذي كان يتولى رئاسته الفخرية. فإن أهم ما تؤكده السيرة الذاتية – عبر الكشف عن الوجه الحقيقي لصاحبها من ناحية، وأنه متعدد المساهمات وأوسع من حصره في دائرة حركة بعينها من ناحية أخرى – الآتي.. أولاً: التحولات النوعية والانتكاسات القاسية بكل شفافية. ثانياً: أن الطبيعة البشرية غير ساكنة، بل على النقيض تماماً. فالطبيعة البشرية تخضع دوماً للتغيير، خاصة بفعل التطورات التي يتعرَّض لها السياق المجتمعي. فالشخص – أي شخص – هو ابن زمنه وسياقه المجتمعي، شاء أو لم يشأ.
(3)
«قيمة السيرة الذاتية»
في ضوء ما سبق، يضع لنا أحد أهم المُنظرين لفن كتابة السيرة الذاتية.. «فيليب لوجون» (87 عاماً) في كتابه المرجعي المعتبر: «الميثاق الأوتوبيوجرافي» – 1975؛ تقاس قيمة السيرة الذاتية أو المذكرات.. بمدى التطابق بين «السرد والمؤلف وشخصيته»؛ أي بمدى التزام صاحب السيرة الذاتية/المذكرات بأن: يوفق بين الحدث/الأحداث، وبين التاريخ المعروف عن المؤلف وشخصيته.. خلال فترة زمنية محددة أو ممتدة (بين الحدث والوجه/الأوجه). وهو الالتزام الذي يعكس قدرة الذات – لدى صاحب السيرة الذاتية – على التحرر من: الاستغراق في الذاتية وتمجيدها، أو تصفية الحسابات، أو هيمنة المرارات الشخصية، أو الكتابة «التقديسية».. لمرحلة أو لشخص أو منظومة، أو التأثير غير الموضوعي في الحاضر، أو الحجب المتعمد للحقائق أو الوقائع أو السلوكيات المختلفة لأبطال السير، أو الوقوع في فخ الكتابة السردية «المونتاج»؛ حسب المؤرخ الألماني «يان أسمن» (1938- 2024)… إلخ.
في هذا الإطار، اخترنا مجموعة من السير الذاتية.. الصادرة مؤخراً، عشنا معها وقتاً ممتعاً.. نظراً لتنوع خبرات أصحابها، وثراء تجاربهم.. التي تراوحت بين السياسة، والإدارة الحكومية، والمال والأعمال، والصحافة، والدبلوماسية، والثقافة. وهناك من جمع بين أكثر من مجال.
نقلاً عن «المصري اليوم»