عمرو الشوبكي
تكرَّر حديث القيادة السورية الجديدة.. عن دمج مختلف المكوِّنات في الدولة الجديدة، وإعادة تأهيل الفصائل المسلحة.. التي واجهت نظام «آل الأسد» وأسقطته، وتعرَّضت بيئتها الحاضنة لمظالم وجرائم تنكيل، لم تشهدها أي بيئة أخرى.. دعمت ثورة أو تجربة تغيير في العالم. والحقيقة أن ما جرى مؤخراً في محافظة السويداء.. من انتهاكات واستهداف أبرياء على الهوية المذهبية، من قبَل بعض الفصائل الحكومية وبعض البدو – وهي مشاهد سبق وتكررت في الساحل قبل نحو 4 أشهر – دلت على أن هناك أزمة في عملية بناء المؤسسات الجديدة.. بصورة مهنية ومحايدة، تنال ثقة مختلف مكونات الشعب السوري.
والحقيقة أن تعبير الدمج.. هو تعبير علمي وسياسي، يُستخدم في التعامل مع قوى وجماعات قادمة من خارج المؤسسات، والقواعد السائدة في مجتمع من المجتمعات؛ فكثير من تجارب أوروبا وأمريكا الجنوبية.. تحوَّل فيها الراديكاليون اليساريون والثوريون المتطرفون إلى إصلاحيين واجتماعيين ديمقراطيين، وهو تحوُّل تطلَّب وجود مؤسسات دولة قوية، وحدث عبر النضال السياسي، وأحياناً العمل المسلح، أن نجحت القوى والتنظيمات المختلفة.. في إصلاح هذه المؤسسات، دون أن تضطر إلى هدمها.
أما أوروبا الشرقية، فقد عرفت نظماً سياسية شيوعية استبدادية، ولكنها – في نفس الوقت – عرفت مؤسسات دولة قوية وراسخة، ولم تعرف تجارب سقوط الدولة أو تحللها؛ مثلما حدث في سوريا أو ليبيا. فقد حدث التغيير في أوروبا الشرقية، وجاءت قوى الحكم الجديدة على دولة موجودة أصلاً، فأصلحت مؤسساتها.. لكي تنسجم مع قواعد النظام السياسي الجديد.
في كل هذه التجارب، كانت هناك مؤسسات قوية وقواعد دستورية وقانونية، دمجت فيها القوى الجديدة، وحولت المتطرفين إلى معتدلين، وتلك إشكالية التغيير في سوريا، فقد استلم النظام الجديد مؤسسات دولة.. دمرها بشار الأسد؛ فأضعف الجيش، وتحوَّل إلى أداة لقتل السوريين، وانهارت الإدارة والإعلام والقضاء والشرطة، ومارس النظام – على مدار 14 عاماً – جرائم مروِّعة بحق الشعب السوري، وأفشل مشاريع الإصلاح من داخله.. منذ 2014؛ بطرح بدائل آمنة لحكم بشار، كان يمكنها أن تحافظ على ما تبقَّى من الدولة السورية.. وفي قلبها الجيش، وتفتح الباب أمام إصلاح مؤسسي وسياسي.
ولأنه لم يعد هناك مجال «للبكاء على اللبن المسكوب»، فإن معضلة الوضع الحالي.. أنه لا توجد مؤسسات دولة قادرة على دمج الفصائل المسلحة.. وفق قواعد موجودة سلفاً، وبالتالي سنصبح أمام تحدي «الفضيلة الثانية».. الأصعب لتجاوز المحنة السورية؛ وهي إعادة تأهيل القوى الجديدة، ومحاسبة واستبعاد العناصر المنفلتة، حتى تكون قادرة على بناء مؤسسات الدولة الجديدة.. في ظل انهيار «مؤسسات» الدولة القديمة، لأن الحد الفاصل بين عمل فصائل المعارضة المسلحة، ومؤسسات الدولة.. لا يزال غائباً. وأن مسألة إعادة التأهيل – وخاصة بالنسبة لعناصر الجيش والأمن العام – هي شرط عبور المحنة السورية، وإلا سنصبح أمام خطر التقسيم والفوضى.
نقلاً عن «المصري اليوم»